جمعتني جلسة مع أحد أساتذة الطب النفسي الكبار بصحبة صديق إعلامي مشترك بيننا بأحد الكافيهات المشهورة على ضفاف نيل القاهرة الساهرة، وبعد دقيقتين تقريباً جاء عامل المقهى المسؤول ليسألنا عما إذا كنا نريد أن نأكل أو نشرب شيئاً، ولو كان يعلم ما ينتظره ما جاء من الأساس! وقف على بعد خطوة واحدة منا فطلبت منه فنجان قهوة، وطلب صديقي كوباً من الشاي، وإذ بصديقنا أستاذ الطب النفسي ينظر إليه ثم قال له قبل أن أطلب مشروبي، من فضلك إن أمكن أريد مرآة، فقال له العامل سأحاول يافندم، فاستغربت الموقف والطلب!! جاء العامل بعد دقائق معدودة بالمرآة وأعطاها للدكتور، واستدار بظهره، وقبل أن يرفع قدمه ليمشي، إذ بالدكتور أستاذ الطب النفسي والذي نجلس بصحبته ينادي عليه قائلاً، من فضلك فعاد الرجل إليه، قائلاً تحت أمرك، فأعطاه الدكتور المرآة وقال له انظر فيها، فابتسم العامل ونظر في المرآة، فقال له أستاذ الطب النفسي، لعلك فهمت ما أريد أن أقوله لك، أنت لم تبتسم لنا، واللباس الخاص بك غير مهندم، وتنتابه بعض البقع، ثم قام له وابتسم في وجهه وقال له بصوت حان، اهتم بنظافة ملبسك.. وأناقة مظهرك.. وجمال جوهرك.. وطلب منه عصير ليمون. أخذ الرجل المرآة وذهب، وكأن على رأسه الطير، ونظرت إلى صديقي، ثم اتبعتها بنظرة كلها استهجان لأستاذ الطب النفسي، وقلت له لقد أحرجته دكتور، فقال لي أبداً.. لقد علّمته درساً لن ينساه، فهو مثلكم يقدم لجمهوره ما يأكلونه ويشربونه فلا بد أن يكون في أبهي صوره. جُن جنون صديقي وسأله: الإعلامي كالذي يقدم للناس أكلاً وشرباً؟! فقال له باستغراب نعم، فهذا يقدم لهم ما يُشبع احتياجاتهم الفسيولوجية، وأنتم كإعلاميين تشبعون رغباتهم الفكرية والمعرفية، ولابد أن تكونوا في أبهي صوركم حينما تقدمون للناس هذه أو تلك. جففت عرقي بمنديل، وفكرت في كلام أستاذ الطب النفسي هذا، والدرس غير المباشر الذي أعطاه لنا كإعلاميين، فوجدت أن جمال المظهر سِمة مهمة من سمات الإعلامي الناجح، فمن خلال الاهتمام بالمظهر يستطيع الشخص فرض سيطرته على الأفكار الذهنية التي ترسم له انطباعاً سلبياً عن ذاته، لا سيما إذا رافق الاهتمام بالمظهر الخارجي اهتماماً آخر بنقاء الجوهر، فهناك ثمة علاقة بين المظهر الخارجي والثقة في النفس، فكلما كان مظهر الإعلامي أكثر جاذبيةً وجمالاً، تهافتت عليه عبارات الإعجاب والترحيب بشكل كبير، وبالتالي يشعر بامتلاكه لقلوب الآخرين، وأن هناك مساحة أكبر خلقت للتعامل معهم وتوطيد علاقته بهم. جمال مظهر الإعلامي، من أهم السمات التي تعكس شخصيته وقيمه وأخلاقه، ونظافة الداخل تنعكس بالطبع على مظهر الخارج، فالبشر دائماً ما يميلون لكل ما هو جميل في هذه الحياة، والأعين مفطورةٌ على حبّ الجمال والزّينة، ولقد خلقنا الله في أحسن صورة، وأمرنا كذلك بالعناية بهذه الصورة الحية التي خلقنا عليها، لذلك فإن الاهتمام بالمظهر والأناقة هي أمور ضرورية في عالمنا الإعلامي، فالإعلامي الذي يهتم بمظهره يمتلك ذوقاً مناسباً في كل الأمور التي تتعلق بحياته وعمله.