ثوانٍ معدودة من لقاء تلفزيوني شاهدته قدراً لمذيع يستضيف أحد الخبراء الأمنيين على إحدى الفضائيات العربية، يناقشان أكثر قضايا المنطقة عمقاً، وأشدها تعقيداً وهي قضية الأمن الوطني، لاحظت خلال هذه الثواني التي خطفتها أذناي من الحوار أنه لا يوجد قاسم مشترك بين المذيع والضيف، فالمذيع يسأل في منطقة، والضيف يجيب من منطقة أخرى، وأتصور أن المشاهد في منطقة ثالثة بعيدة كل البعد عنهما وكأنهم يضلون الطريق في المتاهة الثقافية التي وضعوا أنفسهم فيها. ثبت لي كمشاهد عادي من خلال هذه الثواني المعدودة التي شاهدتها من الحوار أن المذيع يفتقد الثقافة الكاملة لمناقشة هذا الموضوع أو حتى مناقشة جزء منه، أُثيرت حفيظتي حقيقة ودخلت مكتبي وأمسكت بقلمي وشرعت في كتابة مقالي هذا الذي استلهمت فكرته من طبيعة الحوار الأمني الذي دار بين المذيع والضيف. فبنظري أن هناك “ثغرة أمنية” – وهو مصطلح تستخدمه المؤسسات الأمنية – تعيشها بعض المؤسسات الإعلامية التي تحوي بين أفرادها إعلاميين غير مثقفين، التي ينبغي لها أن تبحث عن آلية سريعة لسد هذه الثغرة وتحقيق أمن إعلاميها الثقافي، الذي لا يقل أهمية عن أنواع الأمن الأخرى في شخصيته، بل يفوقها أحياناً في الخطورة والحيوية والآثار؛ لأن تحقيق الأمن الثقافي للإعلامي، إن جاز هذا التعبير، يعكس بصورة جلية كافة أنواع أمن شخصيته الأخرى. ثقافة الإعلامي وإلمامه بكل الموضوعات التي يطرحها في حواراته أو يتناولها في لقاءاته أو يسطرها في كتاباته هي الضمانة الوحيدة لتحقيق أمنه الثقافي الذي من المفترض أن يتشكل من رصيده التعليمي، وقراءاته المتعددة، وخبراته وتجاربه الشخصية، واحتكاكاته بالمثقفين والمفكرين، والتدريب الذي تتيحه له مؤسسته الإعلامية التي يعمل فيها. فالثقافة هي القوة التي يستلهم منها الإعلامي الموضوعية في التناول، والعمق في المنهج، والدقة في الطرح، والقوة في الأسلوب، والحكمة في التعامل مع التناقضات والكفاءة في إدارة الحوار، فمفهوم المهنية الإعلامية يستدعي اليوم الشمولية والاتساع في هذه الثقافة التي تضع الإعلامي أمام مسؤولية البحث والاطلاع على الثقافات المتعددة. ثقة الإعلامي بنفسه تقوم في الأساس على قوة حجته وتنوع ثقافته واطلاعه التام على المستجدات، وإلمامه بكل جوانب الموضوع حتّى يتمكن من تحقيق أمنه الثقافي بشكلٍ جيد، وإلا سيكون مهزوزاً صامتاً أمام من تجمعهم به الظروف. فمسؤولية بناء ثقافة الإعلامي برأيي مسؤولية مؤسسية مجتمعية – مع أنها مسؤولية ذاتية في المقام الأول – فقوة المدخلات التي تضعها المؤسسات الإعلامية في عملية اختيار الإعلامي من خلال ثقافته وتفكيره، والبدائل التي ينتجها، والرؤية التي يحملها، والمنهجية التي يلتزم بها، والقناعات التي يؤمن بها، وحس الكلمة وصدقها، وقراءاته وحواراته، ومواقفه التي تبرز شخصيته، كلها معايير تقييم، وضوابط مهنة ينبغي أن تكون حاضرة عند اختيار الإعلامي للعمل في المؤسسات الإعلامية. ويبقى الجزء الأهم وهو مسؤولية الإعلامي نفسه فهو الذي ينبغي أن يسعى لسد الثغرة وتحقيق أمنه الثقافي حتى لا يكون في وادٍ، وضيفه في وادٍ آخر، والمتابعون تائهون بينهما كالذي صادفني في الثواني المعدودة تلك. م. رياض بن ناصر الفريجي @riyadhtopmedia