الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد… (الخيرة فيما اختاره الله): عبارة طالما سمعناها من كبار السن ونحن صغار، وهي تنمُّ عن عقيدة راسخة وإيمان بالقدر خيره وشره، وتصديق بقوله تعالى: (فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شيئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خيراً كَثِيراً). وإليكم – هذا الموقف الذي كرهتْ صاحبته ما حصل فيه ابتداءً، ثم تبينت لها حكمة الله فيما بعد، وأنَّ (الخيرة فيما اختاره الله). * قالت: “كنتُ أسكن في مدينة (الطائف) مع أهلي. ثم تزوجت وعشتُ في قرية نائية حيث مقر عمل زوجي… تغيّرتْ علي ظروف الحياة. بعُدتُ عن أهلي وإخوتي. أحسستُ بالغربة والوحشة.. كرهتُ العيش هناك لدرجة أني كنت أبكي لأخفف عن قلبي الحزن الذي لا يفارقني. * ولكن! – فكرت في مقاومة كابوس الوحدة والفراغ ومدافعة الحزن والغربة بأن أقوم بعمل شيء ينفعني في آخرتي، وأنفع به نساء القرية.. فالمؤمن كالغيث أينما حلَّ نفع، وكالسراج أينما أُوقد أضاء.. – حدّثتُ نفسي: هل يا ترى هناك أفضل من تعليم كتاب الله عز وجلّ؟! أليس خيار هذه الأمة بذلوا أوقاتهم في تعلّمه وتعليمه كما قال نبينا ﷺ: (خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه) وقوله: (من علم آية من كتاب الله عز وجلَّ كان له ثوابها ما تليت). – قررتُ أن أقوم بتقديم طلب رسمي لافتتاح دار نسائية لتحفيظ القرآن الكريم. اتصلتُ بجاراتي اللاتي رحبن بالفكرة وشجعنني عليها.. جاءت الموافقة.. افتتحت الدار – ولله الحمد – فقمت بإدارتها. بلغ عدد الدارسات قرابة (70) دارسة، من نساء القرية والقرى المجاورة لها؛ ما بين حلقة صباحية وأخرى مسائية؛ منهن من تحفظ الجزء والجزأين، ومنهن الخمسة والعشرة، ومنهن من هي في طريقها لختم القرآن الكريم. – أأُحدثك عن شعور الفرح الذي يغمرني وأنا أرى المرأة الكبيرة التي لا تُحسن قراءة سورة الفاتحة وإذا بها بعد شهور قد انتصفت في حفظ جزء (عمّ!!) – أوَ أُحدثك عن تلك الطفلة الصغيرة التي لا تعرف القراءة والكتابة، وإذا بها قد حفظت قصار السور!! – أوَ أحدثك عن البركات والخيرات التي حلَّت علي وعلى أهل بيتي؟! * لم تنتهِ حكايتي بعدُ…. – انتقل زوجي إلى عمل آخر في مدينة (جدة) بعد أن أقرّ الله عيني بافتتاح الدار المباركة في هذا البلد المبارك، واستنارت القرية بنور القرآن. – وانتقلتُ إلى مدينة (جدة) جسداً. أما قلبي فمع تلك الدار التي بذرتها. وما زلت أُتابع حصاد غرسها من بعيد. أسأل الله أن يكتب لي ما قدمت. وأن يجعله أثراً طيباً وعملاً مباركاً. وحقاً: (الخيرة فيما اختاره الله).