تستطيع أن تحكم على الأمم من خلال ما يثار فيها من قضايا، وما تطرحه النخب الفكرية، أو السياسية، أو الثقافية، أو الدينية، أو غيرها على عامة الناس، وما تلفت إليه الانتباه؛ باعتبارها رائدة في سحب المجتمع إلى المناطق ذات الاهتمام والتأثير والفاعلية. حينما تنظر إلى مجتمعنا وبلدنا، وما أثير فيه سابقاً، وما يثار حالياً، وما سيثار مستقبلاً من قضايا، تجدنا ندور في حلقة مفرغة، فلو أغمضت عينيك عاماً كاملاً، ولم تشاهد تلفازاً، ولم تقرأ صحيفة، ولم تطالع كتاباً، ولم تقابل عالماً أو مثقفاً، ثم عنَّ لك أن تطالع ذلك كله، فكن على يقين أن شيئاً هاماً لم يفتك؛ لأننا نسير في دائرة وليس في خط مستقيم، ونوهم أنفسنا أننا نتقدم إلى الأمام بسرعة مذهلة! من أبرز القضايا التي تشغلنا، قضية المرأة، ولا يوجد فيما نطرحه أو نناقشه جديد، فالفئة المتغربة، قضاياها معروفة من قبل، ولا تحديث في أجندتها ولا جديد… قيادة المرأة للسيارة.. مساواة المرأة بالرجل..عمل المرأة… تمكين المرأة… وما إلى ذلك من قضايا مستوردة، تلبس زوراً وبهتاناً مسموح الحقوق والرعاية. وإلى جوارها، أو خلفها بالتعبير الدقيق والصادق، رغم مرارته، تقبع فئة "التنويريين"، شقيقة "التغربيين" التي تسعى حثيثاً للظهور بمظهر المثقفين المنفتحين! أو تسعى للظهور وفقط، رغبة في الظهور والمخالفة، والتي لها أيضاً أجندتها المعروفة،والمتوائمة أو الخادمة لأجندة المتغربين، كشف المرأة لوجهها…الخلوة بالمرأة… وضع المرأة للمكياج والزينة.. وليس بغريب أن تجد أن الفئتين التقتا عند نقطة واحدة، وهي (جسد المرأة)، ومنها خرجت أسهم متعددة، بعناوين براقة خادعة، تصب جميعها في خندق واحد، وذات هدف واحد: كيف نخرج المرأة من كينونتها المحافظة، سافرة الوجه، عليها أرتال من الأصباغ، تخالط الرجال، وتمارس العمل في "بيئة منفتحة"، وهي في غدوها ورواحها إما قائدة للسيارة، أو مختلية بسائق في سيارة، مرتاحة الضمير ساكنة الفؤاد؛ لأنها لم تفعل حراماً ولم ترتكب منكراً؟!! إلى المتغربين أقول: إن الغرب الذي تقتبسون منه أفكاركم وأطروحاتكم وأجنداتكم، خدعكم بأجندة زائفة، وهبوا أنها لم تكن كذلك، فهي أجندة بتقويم غربي، وليس بتقويم عربي ولا إسلامي، ومفرداتها بلغة غربية، وليست عربية، ومضمونها يناسب أوروبا وأمريكا ولا يناسب مكة والمدينة. وإلى التابعين لهم من التنويريين، نقول: إن دوركم أكبر من أن يكون إثارة للفتنة والجدل، وفتح أبواب الشر على الأمة، فالفتنة نائمة، لعن الله تعالى من أيقظها، ونحسب أن دوركم في إيقاظ الأمة من ثباتها بطرح جاد مفيد، وليس بجرها إلى لغة الأجساد والأرداف؛ بغية الإثارة الإعلامية. وإلى المؤسسة الدينية نقول أحسنتم صنيعاً بغلق باب الفتنة، وكشف الغطاء عن التغريبيين وأشقائهم من التنويريين، الذين يسعون في الأرض إثارة للفتنة، والذين يسعون بمبررات شتى، وبوسائل متعددة لكشف الغطاء عن المرأة، وهتك سترها، وحصنها المنيع. أحسب أننا، كما أسلفت سابقاً، نسير في دائرة، وليس على خط مستقيم، وسنظل في تلك الدائرة الخبيثة، إلى أن نتمكن من تمزيق تلك الأجندات القديمة,، وكسر حلقات الدائرة، والبحث عما هم نافع ومفيد للأمة. وقد يمثل جزءاً من ذلك النافع والمفيد، ما هو متعلق بالمرأة ككائن بشري، يجب أن يكون له دور بارز في نهضة أمته، وليس بالمرأة كجسد، كما يحسب أصحاب الأجندات القديمة، والسائرون خلفهم من أصحاب الأجندات التابعة، الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وهم الأخسرون أعمالاً. أيها السادة… مزقوا الأجندات القديمة… اتركوا جسد المرأة، وركزوا على عقلها… ودعونا نسير خطوة واحدة للأمام…