أوصى فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن البعيجان إمام وخطيب المسجد النبوي في خطبة الجمعة اليوم المسلمين بتقوى الله، فتقواه خير لباس وزاد، وأفضل وسيلة إلى رضا رب العباد. وذكر فضيلته حجاج بيت الله الحرام: بشرى لمن لبى النداء ويمما ** صوب البقاع مهللاً مترحما هنيئاً لكم حجاج بيت الله إذ هداكم الله وأكرمكم ومن عليكم فيسر لكم الحج حين لم يقدر عليه الكثير من الناس. هنيئاً لكم قد وفقتم لأداء مشاعر الحج أحد أركان الإسلام الخمسة. فلبيتم النداء وأحسنتم الأداء هنيئاً لكم قد رُفعت الدرجات وغُفرت الذنوب، وكُفرت الخطايا وسُترت العيوب بإذن الله علام الغيوب; هنيئاً لكم، أنفقتم المال وصرفتم الأوقات، وبذلتم الجهد والطاقات، وخضتم غمار التعب والمشقة، وجدتم بالغالي والنفيس. وتابع فضيلته: تركتم الأهل والأوطان؛ تلبية لنداء ذي الجلال والإكرام جئتم فاجتمعتم في أفضل مكان، وأشرف زمان، تجردتم من زينتكم ولباسكم وأقبلتم إلى الله شعثاً ملبين، وفي ذل وسكينة منكسرين، ولجأتم إليه وحده مخلصين، فأبشروا فالله أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، وما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من، يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بكم ملائكته. فيقول هؤلاء عبادي جاءوني شُعثاً غبراً من كل فج عميق يرجون رحمتي ويخافون عذابي فكيف لو رأوني، فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل وكزبد البحر لغفرتها أفيضوا عبادي مغفوراً لكم. فبشراكم يا أهل ذا الموقف الذي ** به يغفر الله الذنوب ويرحم فكم من عتيق فيه كمل عتقه ** وآخر يستسعى وربك أرحم وأضاف فضيلته: يودع الحجاج بيت الله الحرام هذه الأيام ولسان حالهم عائدون آيبون تائبون لربنا حامدون يحدوهم الفرح إلى أوطانهم وبلدانهم قد قضوا مناسكهم، وتخففوا من أثقالهم، ولعلهم يعودون لأوطانهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، فيرجعون بغنيمة تستوجب الحمد والشكر، قد غُفر الذنب، وسُتر العيب، وكُفرت الخطايا، فالحمد لله على كماله وجلاله، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. معاشر الحجاج: إن لكل إقبال إدباراً، ولكل جمع تفرقاً وأخباراً، فبعد ما رأينا الحجاج يأتون من كل فج عميق، وبلد سحيق، ليشهدوا منافع لهم، وتجمعت الوفود الكثيرة والجموع الغفيرة في المشاعر المقدسة، قد اختلفت لغاتهم وألوانهم وبلدانهم وأجناسهم وأعمارهم لكن الإسلام لمّ شملهم ووحد قبلتهم ومناسكهم، محرمون بلباس واحد ويلبون بنداء واحد اجتمعوا في صعيد واحد، قد ألف الله بين قلوبهم. وبعد قضاء النسك وإذ بالجموع الغفيرة والأعداد الكبيرة المشاعر فياضة تودع المشاعر بمشاعر فياضة ولسان حالهم لك يا منازل في القلوب منازل. وتتفرق الجموع في منظر مهول ومؤثر، ومشهد عظيم ومعبر، وإن هذا الفراق بعد الاجتماع خلال وقت قليل، ليذكر بفراق الدنيا وتعاقب الأجيال، جيلاً بعد جيل، جيلاً يولد ويهنأ به ويستقبل، وجيل يودع ويعزى فيه وينتقل. معاشر الحجاج: إن في الحج لموعظة لمن يتذكر، وللطاعة في النفس ثمرة وأثر، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وليذكروا الله أكبر، والحج مورد ومنهل للتزود من التقوى، فالعبادة إذا لم تقرب من الله، وتبعد عن محارم الله؛ فإنها مغشوشة أو مخالفة للدين، وإنما يتقبل الله من المتقين. أيها الحاج ما كان في ذمتك من فرض فاقضه، وما كان على وجه الأرض من خصم فأرضه، وما كان من حق فأده، وأقم فرائض الله وفيها فجاهد، والزم سنة رسول الله وعليها فعاهد، واطلب النجاة والخلاص، وجدد العهد مع الله بعزم ووفاء وإخلاص. أيها الحجاج: إن الله على كل شيء شهيد، وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، وقد بحت حناجركم على رؤوس الأشهاد ترددون كلمة التوحيد، ورددت جبال مكة صدى تلبيتكم إلى يوم العيد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. فالبراء البراء من الشرك فلا يقبل الله عملاً فيه مثقال ذرة من شرك، وقد قال: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه، رواه مسلم. فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، الزموا شرعكم واحرصوا على ملتكم. وبعد أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، إن الله قد حرّم عليكم دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، كحرمة يوم النحر، في شهر ذي الحجة، في البلد الحرام، ألا لا ترجعوا كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض. وفي الخطبة الثانية ذكر فضيلته: أن من علامات قبول الطاعة الاستقامة والعكوف، ومحاسبة النفس على التقصير والتفريط فيها، تلك صفات المؤمنين الخاشعين المخلصين، ألا وإن الاستقامة هي حقيقة الاستسلام والثبات على الدين، والصدق والوفاء، والاستقامة نجاة من الخوف، وأمانُ من الهلع والحزن، وبشارة عظمى، الاستقامة من درجات الكمال، ولا يقدر عليها إلا ذو العزم والخصال. حجاج بيت الله الحرام: إن من الواجب على كل مسلم أن يحمد الله. عز وجل على ما من به من أمن وأمان في هذه البلاد المباركة التي تستقبل هذه الأعداد الكثيرة من المسلمين من مختلف أنحاء العالم، وتقوم بضيافتهم، وتهيئ لهم المشاعر في أحسن مستوى، وتقدم لهم الخدمات في أعلى قدر ممكن؛ وذلك تحت رعاية من خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين حفظهما الله، فالشكر والتقدير لولاة الأمر القائمين على خدمة الإسلام والمسلمين، شكر الله سعيهم، وتقبل عملهم، وكتب لهم ذلك في موازين حسناتهم. واختتم فضيلته الخطبة بالدعاء: اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل اللهم هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم كن للمستضعفين في غوطة الشام، اللهم احقن دماءهم، واستر عرواتهم، وآمن روعاتهم، اللهم أبدلهم من بعد خوفهم أمناً، ومن بعد ضعفهم نصراً، اللهم إنهم مظلومون فانتصر لهم، اللهم انصرهم على من بغى عليهم يا قوي يا عزيز.