ها نحن نعيش خير الشهور وأعظمها، وخير الأيام وأشرفها وأرواحنا بكل شوق متلهفة، ونفوسنا بكل حب متعطشة؛ كيف لا وهو شهر تزداد فيه الرحمات، وتُمحى فيه الزلّات، ورمضان شهر التجارة الرابحة مع الله ففيه مضاعفة الأجور، وتكفير السيئات حيث تتنزل الهِبات من الوهاب سبحانه على عباده المؤمنين ليعتق رقابهم من النار. وللقرآن في هذا الشهر منزلة كبيرة، ومكانة شريفة قال تعالى: (شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهُدى والفرقان) فبهِ تحيا القلوب، وتطمئن الصدور، وتتدفق العبرات، وتسكن الخطرات، فلو لاحظنا مقياس الحسنة في تلاوته على الحرف، ثم تزداد الحسنات صعوداً كلما ارتقينا من الحرف إلى الآية، ثم إلى السورة، ثم إلى الحزب، ثم إلى الختمة. وجميلٌ بنا أن نستشعر جميع معانيه، نتلذذ بجمال لفظه، ونقف على بلاغة مفرده، ونتحلى بأخلاقه كما كان الحبيب صلى الله عليه وسلم (كان خُلُقُهُ القرآن) ومن فضائل شهر رمضان تهذيب الأخلاق بالسماحةِ، والإيثار، والبذل والعطاء، والجود ولنا في رسول الله أُسوةٌ حسنة فقد كان كالريح المرسلة بالخير لا يخشى من ذي العرش إقلالاً فما أجمل أن نسمو بأخلاقنا إلى هامة الفضيلة، والتحلي بصفة الصبر والحِلم لقوله صلى الله عليه وسلم: "وإن سابّهُ أحدٌ أو شاتمه فليقل إني امرؤٌ صائم" فالصيام صيامٌ عن كلِّ إثمٍ ينقص الأجر، قال صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامهُ وشرابهُ). ومن فضائل هذا الشهر أيضاً أنه شهر تجتمع فيه جُل العبادات، كعبادة الصيام، والصلاة، والصدقة، والعمرة، وفيه عبادة الدعاء، فقد قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: (لكل مسلم دعوة مجابة يدعو بها في رمضان). وأخيراً: رمضان موسم بذل الطاعات والاجتهاد فيها لا موسم الكسل والدعة، ولنُري الله منا خيراً فالبدار البدار عسى ربُنا أن يمُن علينا بالعتق من النيران والرفعة في الجِنان.