أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ "صالح آل طالب" المسلمين بتقوى الله عز وجل والصبر على الكربات وعدم اليأس من روح الله ورحمته. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم: "إنه مع طول الليل وتفاقم الجراح يجمل التفاؤل، وفي غمرة الأحزان تحلو حكايا السلوان، وفي ثنايا الآلام تولد الآمال، وإذا اشتدت الكروب وأطبقت الخطوب وتسلط الفاجر وعز الناصر، فسنة الله في قرآنه قبل النصر قصص تبعث الأمل وتحيا بها النفوس ويزكو بها الإيمان، وما يصيب المؤمن من جراحات وابتلاء ليس إلا سنة قد خلت في الأصفياء قبله، ترفع به الدرجات وتحط السيئات وتمحص بها القلوب وتصفو بها الأمة المؤمنة، مورداً قول الله عز وجل: (وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله اللذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله اللذين آمنوا ويمحق الكافرين). وأوضح فضيلته أن في سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم آيات وعبرا ففي أحرج الفترات وأشقها، في مكة وقبل الهجرة بثلاث سنين، ماتت خديجة رضي الله عنها وكانت وزير صدق على الإسلام، يشكو النبي الحبيب إليها ويستند عليها، ومات عمه أبو طالب وكان منعة له وناصراً على قومه، واستغرب الناس حادثة الإسراء فكذبوه وارتد بعض من أسلم وانكفأت الدعوة حتى ما كاد يدخل في الإسلام أحد، وسمى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك العام عام الحزن، وتجرأت قريش على النبي صلى الله عليه وسلم وبلغت الحرب عليه أقصى مداها ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعاني من الوحشة والغربة وتعاني معه الجماعة المسلمة هذه الشدة، فأنزل الله تعالى سورتي الإسراء والفرقان، ثم نزلت سورة يونس، ثم سورة هود، وكان فيها من التثبيت والتسرية وقصص الأنبياء وأخبارهم مع أقوامهم وأيام الله فيهم ما قوى عزم النبي صلى الله عليه وسلم وعصبته المؤمنة". وأضاف فضيلته يقول: "وبعد هذه السور وفي تلك المرحلة الحزينة نزلت سورة يوسف، فكانت بلسماً وحناناً ورحمة من الله وسلواناً، وكانت خاتمة القصص الجميلة، فيها مشاهد الألم والأمل، ومرارة الفراق وحلاوة اللقاء، فيها حكاية اليأس واليقين، والظلم والقهر، والابتلاء والصبر، ثم النجاح والنصر، فيها الانتقام والعفو والصفح، فيها الرجاء والدعاء والتمكين بعد الابتلاء، والعاقبة الحسنى للمتقين والصابرين، سورة يوسف تتجلى فيها حكمة الله وأقداره، وتدبيره وأسراره في نظم قصصي لم تسمع الدنيا بمثله، أحسن القصص، يقص الله على نبيه الكريم قصة أخ له كريم، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين وهو يعاني صنوفاً من المحن والابتلاءات، محنة كيد الإخوة، ومحنة الجب والخوف والترويع فيه، ومحنة الرق وهو ينتقل كالسلعة من يد إلى يد على غير إرادة منه ولا حماية ولا رعاية من أبويه ولا من أهله، ومحنة كيد امرأة العزيز والنسوة، وقبلها ابتلاء الإغراء والفتنة والشهوة، ومحنة السجن بعد رغد العيش وطراوته في قصر العزيز، ثم محنة الرخاء والسلطان المطلق في يديه وهو يتحكم في أقوات الناس وفي رقابهم وفي يديه لقمة الخبز التي تقوتهم، ومحنة المشاعر البشرية وهو يلقى بعد ذلك إخوته اللذين ألقوه في الجب، وكانوا السبب الظاهر لهذه المحن والابتلاءات كلها". وبين فضيلته بقوله: "لا عجب أن تكون هذه السورة بما احتوته من قصة ذلك النبي الكريم ومن التعقيبات عليها بعد ذلك مما يتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه في مكة في هذه الفترة بالذات تسلية وتسرية وتطميناً وتثبيتاً للمطاردين المغتربين، بل كأن في هذا تلميحاً بالإخراج من مكة إلى دار أخرى يكون فيها النصر والتمكين مهما، بدأ أن الخروج كان إكراها تحت التهديد كما أخرج يوسف من حضن أبيه ليواجه هذه الابتلاءات كلها، ثم ينتهي بعد ذلك إلى النصر والتمكين "، لافتاً النظر إلى أن آية التمكين جاءت في ثنايا ذكر يوسف وهو يباع بيع الرقيق، وجاءت السورة وفي كل مراحل قصتها تأكيد للإيمان واليقين والثقة برب العالمين والعاقبة الحسنى للمتقين، فقد أراد إخوة يوسف له أمراً وأراد الله له أمراً، ولما كان الله غالباً على أمره ومسيطراً فقد نفذ أمره، أما إخوة يوسف فلا يملكون أمرهم فأفلت من أيديهم وخرج عما أرادوا، (ولكن أكثر الناس لا يعلمون).. لا يعلمون أن سنة الله ماضية وأن أمره هو الذي يكون، وعندما كاد يوسف أن يركن إلى بشر يذكر مظلمته عند الملك، كان جزاؤه أن لبث في السجن بضع سنين، قد شاء ربه أن يعلمه كيف يقطع الأسباب كلها ويستمسك بسببه وحده، فلم يجعل قضاء حاجته على يد عبد ولا سبب يرتبط بعبد وهذا من اصطفائه وكرمه أن عباد الله المخلصين ينبغي أن يخلصوا له سبحانه وأن يدعونه وحده، وحين يعجزون بضعفهم البشري في أول الأمر عن اختيار هذا السلوك، يتفضل الله سبحانه فيقهرهم عليه حتى يعرفوه ويتذوقوه ويلتزموه بعد ذلك طاعة ورضا وحباً وشوقاً، فيتم عليهم فضله بهذا كله . وقال فضيلته: "المؤمنون الموصولة قلوبهم بالله، الندية أرواحهم بروحه، الشاعرون بنفحاته الرخية، لا ييأسون من روح الله ولو أحاط بهم الكرب واشتد بهم الضيق، فالمؤمن في روح من ظلال إيمانه، وفي أنس من صلته بربه، وفي طمأنينة من ثقته بمولاه، وإن كان في مضايق الشدة ومخانق الكروب، لقد كانت تلك المحن والابتلاءات من تدبير الله ولطفه وعلمه ورحمته حتى مكّن الله ليوسف عليه السلام فصار ملكاً عزيزاً بيده خزائن مصر يتخذ منها المنزل الذي يريد والمكان الذي يريد في مقابل الجب وما فيه من مخاوف والسجن وما فيه من قيود، وهكذا عوّض الله يوسف عن المحنة تلك المكانة في الأرض، وهذه البشرى في الآخرة جزاء وفاقاً على الإيمان والصبر والإحسان، وهذا من سر تكرار وصف الله العلي لذاته بأنه هو العليم الحكيم يعلم الأحوال ويعلم ما وراء هذه الأحداث والابتلاءات ويأتي بكل أمر في وقته المناسب عندما تتحقق حكمته في ترتيب الأسباب والنتائج، إنه التثبيت بمجرى سنة الله عندما يستيئس الرسل والتلميح بالمخرج المكروه الذي يليه الفرج، معان تدركها القلوب المؤمنة فيغلبها الإيمان واليقين والصبر والثبات، تلك سنة الله، لا بد من الشدائد، ولا بد من الكروب، ثم يجئ النصر بعد اليأس مع كل أسبابه الظاهرة التي يتعلق بها الناس، يجئ النصر من عند الله، فينجو الذين يستحقون النجاة، ينجون من الهلاك الذي يأخذ الظالمين، وينجون من البطش الذي يسلطه عليهم المتجبرون، ويحل بأس الله بالمجرمين مدمراً ماحقاً، لا يقفون له ولا يصده عنهم ولي ولا نصير". وفي المدينةالمنورة أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف فضيلة الشيخ "صلاح البدير" المسلمين بتقوى الله عز وجل والحرص على الألفة والمحبة بين المسلمين. وقال فضيلته في خطبة الجمعة اليوم إن أهل الإسلام تجمعهم الأخوة الإسلامية وعلاقات النسب والمصاهرة، لكن الشيطان يبغي التحريش والوقيعة ويذكي نار الفرقة والقطيعة ويثير نزعات الحروب ويبث أحقاد الأعداء يسعى إلى التفريق بين القرابة والأحبة، مستدلا بالحديث الذي رواه جابر رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون ولكن في التحريش بينهم". وزاد قوله: "وعدو الأمة يروم المكيدة وينصب الشرك ويسعى إلى نشر الضغائن والمحن والعداوات بين البلاد المسلمة والشعوب المؤمنة". وحذر فضيلته من أن أوطاننا لن تكون آمنة ولن تكون أحوالنا منتظمة إلا باجتماعنا والتحامنا امتثالاً لقول الله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا إخوانا كما أمركم الله)، مشيرا إلى ما تتداوله وسائل الإعلام من مقابلات وحوارات ملؤها السباب والتحريض والتشويه والافتراء والازدراء والاعتداء، وقال: كم قرأنا من مقالات وكتابات وردود تعمق الفرقة وتبدد الشمل وتفرق الجمع وتباعد بين القلوب ولا تحقق مصلحة ولا إصلاحا، وكم شاهدنا في المجالس والمنتديات والقنوات من مواجهات وصراعات وسجالات وإثارة للعصبيات العرقية والقبلية والحزبية، مصالح شخصية وتحزبات مقيتة وأصوات تشترى وقنوات مأجورة لا تكف عن أساليب الإثارة والتهييج وإلهاب مشاعر البسطاء، داعيا هؤلاء بتقوى الله والكف عن تلك الممارسات المقبوحة والأساليب المفضوحة والولاءات الشخصية المقيتة التي جاء في الشرع ذمها، وبان في العقل سخفها، وثبت في الواقع خطرها وضررها.