أم الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النَبَوِيّ الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس المصلين في صلاة الْجُمُعَة, وخطب فيهم مبتدئاً بحمد الله والصلاة على النبي المصطفى صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم قَالَ الشيخ: معاشر المسلمين: النَّاظِرُ في نصوص الشريعة الإسلامية، المتتبع لأحكامها ومقاصدها لا يعتريه رَيْبٌ أنها إنما وُضِعَتْ لمصالح العباد وتحقيق الخير لهم، ودَفْعِ الضُّرِّ ورفع الحرج عنهم في دينهم ودنياهم, فالإسلام دين السَّعَةِ والسَّمَاحة واليُّسْرِ والسهولة، والوسط والاعْتِدَال. مُبَيِّنَاً مَعَالِيه أن من القواعد المقررة عند علماء الإسلام: أن الأصْل في الأشياء والأعيان الإباحة، فكل مَا في هذه الأرض مُبَاحٌ للإِنْسَان أن يتناوله أكلاً وشُرْباً وتصرفاً، إلا مَا جاء النص بتحريمه لخبثه أو ضرره، والمتأمل في أحكام التشريع يجد أن المحرمات قليلةٌ جِدّاً بالنسبة للمباحات، والإسلام حينما حرَّم ذلك لم يحرمه عَبَثاً بل حرمه لضرورة، ورغم ذلك فالمحرمات تُباح عند الضرورات. وأَضَافَ الشيخ: فمن صور التيسير والسماحة في الطهارة؛ أنه شَرَعَ المسح على الخُفين والعِمَامة والجَبِيرة، وأجاز التيمم إن عُدِمَ الماء؛ والصَّلاةُ أجازها في أَي بُقعة من الأرض, فالإسلام لم يترك مَرْحَلَةً من المراحل التي تمر بها العبادة إلا وحباها نوعاً من السهولة والتيسير، وهكذا في كل العبادات؛ في الزكاة والصيام والحج والجهاد. واستكمل مَعَالِيه: أيها المؤمنون: إن من الظُّلم وعدم الإِنْصَاف أن تُختزل سماحة الإسلام في عباداته فحسب، بل العبادات في الإسلام جزء من شريعة تامة مكتملة، فَمَن وَلَّى وجهه شطر جانب المعاملات في الإسلام، أبهرته الأنوار السَّاطعة للسَّمَاحة الرَّائعة في الآياتِ البَّينات والأحاديثِ المُحْكَمَات، فالمعاملات ميدانٌ شَاسِعُ تظهر فيه السماحة بجلالها، وتُشرق بأنوارِهَا، ومن أوجه السماحة وَضْعَ الضمانات والاحْتِيَاطات التي تُقَلِّل وقوع الطلاق وتحافظ على بقاء الأسرة وتماسكها, ومن عظيم سماحة الإسلام أنه حَرَّم الاقتصاص من الحامل، أو إِقَامَة الحد عليها حتى تضع حملها وترضعه، بل أمر بالسّتر ودرء الحدود قدر الاستطاعة. واستطرد مَعَالِي الشيخ: أَنَّ سماحة الإسلام ليست ضَعْفاً أو اسْتِكانة، ولَا ولَنْ تكونَ مَطِيَّةً لاحتلال أرضه أو استباحَةِ حُرُمَاته، وإنَّ أَرْوَاحَنَا لرخيصة أمام مُقَدَّسات الإسلام وصيانة حُرُمَاتِه، وإن قضية المسلمين الكبرى في هذا الزمان هي قضية المسجد الأقْصَى الأسير، والقدس العَرَبِيّة الإسلامية، والتي ستظل إلى أبد الآبدين عَرَبِيّةً إسلاميةً مهما عاند المعاند أو كَابَرَ المكابر. واختتم مَعَالِيه خطبته قَائِلاً: فسماحة الإسلام لا تنافي الحزم والعزم خَاصَّة في الحفاظ على المقدسات، وكذا في تعزيز النزاهة ومُكَافَحَة الْفَسَادِ، ومواجهة التطرف والإرهاب، وخطر المخدرات والمُسْكِرات، والتصدي بحزم للافتراءات والشائعات عبر المواقع والشبكات، ومحاولات إِسْقَاط الرموز والنَّيْل من ذوي الهيئات والمقامات من أَفْرَاد ومؤسسات، والإخلال بالأمن ونشر الفوضى والحطّ من الأقدار والكرامات.