وزارة التعليم تنظم ورشة عمل "المواءمة مع التغيير والتحول في قطاع الخدمات المشتركة" في جازان    لدراسة أجندة المرحلة الانتقالية.. سورية على موعد مع حوار وطني شامل    تعرف على قائمة المتوجين بلقب كأس الخليج    الأمير محمد بن ناصر يفتتح شاطئ الهيئة الملكية بمدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية    إمام الحرم المكي: الرسل بعثوا دعاة إلى الخير وهداة للبشر    آل بنونة وآل قاضي يتلقون التعازي في حورية    خطيب المسجد النبوي: أعظم وسام يناله المسلم أن يكون أحبّ الناس إلى الله    البدء بأعمال صيانة جسر تقاطع طريق الأمير نايف مع شارع الملك خالد بالدمام ... غدا السبت    الدفاع المدني السوري: «تماس كهربائي» أشعل نيران «ملعب حلب»    اليمن في كأس الخليج .. 2970 دقيقة بدون فوز    (عيد) أفضل حارس للبطولة الخليجية الأولى والثانية    تراجع أسعار الذهب 2596.89 دولارًا للأوقية    توقعات بتساقط الثلوج على تبوك    الخطوط السعودية ووزارة الإعلام ترفعان مستوى التنسيق والتعاون المشترك    5 إستراتيجيات لإنهاء حرب روسيا وأوكرانيا    كأس العالم 2034.. السعودية ترسم مستقبل الرياضة والشراكات العالمية    لسرعة الفصل في النزاعات الطبية.. وزير العدل يوجه بتدشين مقر دوائر دعاوى الأخطاء المهنية الصحية    الأندية السعودية.. تألق آسيوي في الملعب والمدرجات    خير جليس يودّع «عروس البحر» بتلويحة «جدّة تقرأ»    رئيسا «الشورى» والبرلمان الباكستاني يبحثان تعزيز التعاون المشترك    رغم المخاوف والشكوك.. «سورية الجديدة» تتحسس الخطى    دروس قيادية من الرجل الذي سقى الكلب    الحصبة.. فايروس الصغار والكبار    مدربون يصيبون اللاعبين    تقطير البول .. حقيقة أم وهم !    328 سعودية ينضممن إلى سوق العمل يومياً    التأمين يكسب .. والعميل يخسر    «سكن».. خيرٌ مستدام    الإخلاء الطبي يشترط التأمين التعاوني للممارسين الصحيين    الدفاع المدني يؤكد ضرورة إطفاء النار الناتجة عن الفحم والحطب قبل النوم    السعوديون في هيثرو!    مشاعل الشميمري: أول مهندسة في هندسة الصواريخ والمركبات الفضائية في الخليج العربي    تمارا أبو خضرا: إنجاز جديد في عالم ريادة الأعمال والأزياء    إبراهيم فودة.. الحضور والتأثير    رسائل    تفسير المؤامرة    بحضور تركي آل الشيخ ... فيوري وأوسيك يرفعان التحدي قبل النزال التاريخي    النصر ومعسكر الاتحاد!    "رينارد" يعلن قائمة الأخضر المشاركة في خليجي 26    استغلال الأطفال على منصات التواصل الاجتماعي يهدد صحتهم النفسية والاجتماعية    واقع جديد    25 ألف سعودية يثرين الأسواق الناشئة    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء ينقذ مراجعاً عانى من انسداد الشرايين التاجية    أدوية إنقاص الوزن قد تساعد في القضاء على السمنة لكن مخاطرها لا تزال قائمة    انفراد العربيّة عن غيرها من لغاتٍ حيّة    أدبي جازان يحتفل بفوز المملكة بتنظيم كأس العالم ٢٠٣٤ بندوة رياضية أدبية    كاسبرسكي تتوقع نمواً سنوياً متوسطاً بنسبة 23% في السعودية بفضل خبرتها المحلية على مدى 17 عاماً    السيسي: الاعتداءات تهدد وحدة وسيادة سورية    أمير القصيم يرعى ورشة عمل إطلاق التقرير الطوعي لأهداف التنمية المستدامة في بريدة    وزير العدل يُوجه بتدشين مقر دوائر دعاوى الأخطاء المهنية الصحية بالمحكمة العامة    التجارة تضبط 6 أطنان مواد غذائية منتهية الصلاحية بمستودع في جدة    صحة الحديث وحدها لا تكفي!    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة    وزير الدفاع يستقبل نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الأسترالي    د. هلا التويجري خلال الحوار السعودي- الأوروبي: المملكة عززت حقوق الإنسان تجسيداً لرؤيتها 2030    رئيس الوزراء العراقي يغادر العُلا    الأمير تركي الفيصل يفتتح مبنى كلية الطب بجامعة الفيصل بتكلفة 160 مليون ريال    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي

أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس, المسلمين بتقوى الله ذلك أن التقوى مثابة لغفران زلات النفس وخطاياها وصلاحها في دينها ودنياها .
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم , النَّاظِرُ في نصوص الشريعة الإسلامية، المتتبع لأحكامها ومقاصدها لا يعتريه رَيْبٌ أنها إنما وُضِعَتْ لمصالح العباد وتحقيق الخير لهم، ودَفْعِ الضُّرِّ ورفع الحرج عنهم في دينهم ودنياهم ؛ ومع أنها تَتَّسِمُ بالجزالة في اللفظ، والدِّقة في التعبير، والوُضُوح في الفِكْرَة، واليُسْرِ في فهم المعنى، إلا أنه لا تعقيد في ألفاظها، ولا مَعْمِيَّاتٌ في معانيها، ولا إبهام في مقاصدها، ولقد شرع الله - جل وعلا - الإسلام رَحْمَةً بالبشرية ورأفةً بها؛ لا تَعْتَاصُ أحكامه على العِبَاد، بل رَاعَى فيه ما تقتضيه النفوس، وما جُبِل عليه الخَلْق ، ورَفَعَ عنهم الإصْرَ والحرج، قال جل شأنه: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾، قال الإمام الطبري / وما جعل عليكم ربكم في الدين الذي تَعَبَّدَكُمْ بِهِ من ضِيقٍ، بل وَسَّع عليكم، فجعل التوبة من بَعْضٍ مَخْرَجا، والكفَّارة مِنْ بَعْض، والقَصَاصُ مِنْ بَعْض، فلا ذنب يُذْنِبُ المؤمن إلا وله منه في دين الإسلام مَخْرَجٌ".
وأضاف الشيخ السديس يقول , الإسلام دين السَّعَةِ والسَّمَاحة واليُّسْرِ والسهولة، والوسط والاعتدال، وإن من القواعد المقررة عند علماء الإسلام: أن الأصل في الأشياء والأعيان الإباحة، فكل ما في هذه الأرض مُبَاحٌ للإنسان أن يتناوله أكلًا وشُرْبًا وتصرفًا ، إلا ما جاء النص بتحريمه لخبثه أو ضرره ، والمتأمل في أحكام التشريع يجد أن المحرمات قليلةٌ جِدًا بالنسبة للمباحات، والإسلام حينما حرَّم ذلك لم يحرمه عَبَثًا بل حرمه لضرورة ، قال تعالى: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾، ورغم ذلك فالمحرمات تُباح عند الضرورات، فمبادئ الشريعة وقواعدها ليست على درجة واحدة، بل بعضها يحمل أحكامًا مُخَفَّفَةً جِدًا؛ مراعاةً للظروف والعوائد والحالات والأزمان، وقد شرع الله هذه الأحكام تخفيفا على عباده وسماها العلماء : الرُّخَص ، وحَثَّ عباده على الأخذ بها في مواطنها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم // إن الله يُحِبُ أن تُؤْتَى رُخَصُهُ كما يكره أن تُؤْتَى معصيته// .
وبين أن بعض ما قَرَّرَتْهُ أحكام الشريعة السامقة، تلألأت أمام أعيننا جُمَانَاتٌ في سِلْكِ الدُّرَر، فهذا الدين العظيم الذي سَطَعَ بُرْهَانُه ، ونَجَمَ سُلْطَانُه، لم تُغْفِل قواعِدُهُ ومَبَادِؤُهُ العظيمة الأخذ بالعُرْف؛ لأن عُرْفَ كل بلد إنما يُعَبِّر عن حالتها التي تعيشها، وعاداتها وتقاليدها، ومراعاة ذلك من تمام التَّسْهِيلِ والتَّيْسِيرِ والسَّمَاحة ؛ ولم يَزَلْ علماء الإسلام وفقهاء المذاهب الإسلامية يُعْنَوْنَ بهذا المصدر زمانًا ومكانًا وظروفًا وأحوالا، فإذا كانت أحكام الشريعة التي لا نص فيها مُتَكَيِّفَةً مع هذه الأوضاع المُتَغَيِّرَة، والعادات المختلفة، ومنسجمة مع هذه الأحوال المُتَغَايِرَة، والتقاليد غير المؤتلفة، دَلَّ ذلك على غاية السماحة والتيسير ، والبعد عن التَّعَنُّتِ والتعسير، فَرَبُّ العالمين الرَّحِيمُ بِخَلْقِه، اللَّطيفُ بهم شَرَع العبادات مَبنية على السماحة ، ورفع الحرج وعدم المشقة، وهذا لا يتنافى مع بعض المشقة في أداء العبادة لكنها مشقة في الاستطاعة، دون إعنات أو تعجيز.
ولفت الشيخ السديس إلى أن من صور التيسير والسماحة في الطهارة ؛ أنه شَرَعَ المسح على الخُفين والعِمَامة والجَبِيرة ، وأجاز التيمم إن عُدِمَ الماء ؛ والصَّلاةُ أجازها في أي بُقعة من الأرض قال صلى الله عليه وسلم // وجُعِلَتْ لِيَ الأرضُ مَسْجِدًا وطَهُورَا" ، وشَرع قَصْرَ الصلاة في السفر ووقت المطر مع الجمع تقديما أو تأخيرا ذلك أن الإسلام لم يترك مَرْحَلَةً من المراحل التي تمر بها العبادة إلا وحباها نوعًا من السهولة والتيسير ، وهكذا في كل العبادات ؛ في الزكاة والصيام والحج والجهاد، وإنَّ المتأملَ في أعماق التاريخ ومَسَارِبِهِ، والقَاصَّ لآثارِ البشرية وحضاراتها، لا يجد فيما يقف عليه؛ سماحةً واضِحَةَ المعالم، تامَّةَ الأركان، شامِخَةَ البُنْيان، كسماحة الإسلام ، فشريعة الإسلام أكمل شريعة وأوفاها، وأحكم مِلَّةٍ وأحفاها، ولا مِثال سواها؛ تُرَاعي اليُسْرَ والسماحة في عنايتها بالعقيدة السَّمْحَة، والاعتدال والوسطية، ومراعاة الضرورات الخمس والمقاصد الكبرى، واهتمامها بالمُحْكَمَات والمُسَلَّمات، واليقينات والقطعيات، واعتبار المآلات في تحقيق المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها، والحرص على اجتماع الكلمة ووحدة الصفوف دون مذهبية ولا طائفية / وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ .
// يتبع //
14:35ت م

عام / خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي / إضافة أولى
وشدد إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس, على أن من الظُّلم وعدم الإنصاف أن تُختزل سماحة الإسلام في عباداته فحسب، بل العبادات في الإسلام جزء من شريعة تامة مكتملة، فَمَن وَلَّى وجهه شطر جانب المعاملات في الإسلام، أبهرته الأنوار السَّاطعة للسَّمَاحة الرَّائعة في الآياتِ البَّينات والأحاديثِ المُحْكَمَات، فالمعاملات ميدانٌ شَاسِعُ تظهر فيه السماحة بجلالها، وتُشرق بأنوارِهَا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم // رَحِمَ الله رَجُلا سَمْحًا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى" // , و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أَدْخَلَ الله رجلا الجنة كانَ سَهْلًا مُشتريا وبائعًا وقاضيًا ومُقْتَضِيًا // هذا في المعاملات العامة أما في الأحوال الشخصية والعلاقات الزوجية فنظمها أكثر تنظيم ، وهَذَّبها أحسن تهذيب ، وكما ضَمِنَ لكل واحد حقه ، حثَّ على التسامح والتيسير والتخفيف وحُسْنَ المعاشرة والمعروف، قال عز وجل: ﴿ وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾، ومن أوجه السماحة وَضْعَ الضمانات والاحتياطات التي تُقَلِّل وقوع الطلاق وتحافظ على بقاء الأسرة وتماسكها؛ فأوصى الرجال بالنساء، وأمر النساء بطاعة الأزواج ، وشرع عند ظهور الشِّقَاق والخلاف بين الزوجين إقامة حكمين، قال تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾
وقال فضيلته / وحين انتشر الإسلام وصَلُبَ عَمُودُه، وذَكَى عَرْفُهُ وعُودُه ، وبدأ التشريع للعقوبات والحدود، خَلُصَ من السَّمَاحةِ والرحمةِ ، فكان المِثَال، ومَضْرِب الأمثال ؛ ففي الإسلام لا يُجازَى المجرم إلا بمثل فِعْلِه ، وهذا أدْعَى لِصَدِّه وَرَدْعِه ، كما أن العقوبة قاصرة على الجاني فقط لا تتعداه إلى أبيه أو أمه أو بَنِيه أو صَحْبِه ، قال سبحانه: ﴿وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾، كما نهى الإسلام عن التعسف في العقوبة والجور في تنفيذها أو إجرائها بطريقة أشد من الجناية، ، كما أفسح المجال أمام ولي المقتول فجعله مُخَيَّرًا بين القَصَاصِ أو الدِّيَة أو العفو، بل إن الإسلام من سماحته لم يكتفِ بتشريع العفو فحسب، بل راح يناشد الوُجْدَان ويخاطب الضمير، فحبب في العفو ورَغَّب فيه، قال النبي صلى الله عليه وسلم / ما عفا رجل عن مظلمة إلا زاده الله بها عِزًا // ، ومن عظيم سماحة الإسلام أنه حَرَّم الاقتصاص من الحامل أو إقامة الحد عليها حتى تضع حملها وترضعه ، بل وأمر بالسَّتر ودرء الحدود قدر الاستطاعة، وهكذا سَمَا الإسلام بسماحته وبديع شِرْعَتِهِ وأحكامه فوق كل الشرائع والمِلَل، حتى إنه أمرنا بالقِسْطِ والعدل مع المخالف، قال تعالى: ﴿ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾، فأصبح الإسلام بهذه التعاليم المُشْرقة زهرة التاريخ العابِقَة، ومُزْنَة النور الوَادِقَة، ووجه الكمال المُشْرِق، وصارت أحكامه وتشريعاته البرهان الخالد على أن رسالة الإسلام رسالة السَّمَاحة والسَّلام والعِز والشَّرف والوِئَام /.
وأكد الشيخ السديس أنَّ سماحة الإسلام ليست ضَعْفًا أو اسْتِكانة، ولَا ولَنْ تكونَ مَطِيَّةً لاحتلال أرضه أو استباحَةِ حُرُمَاته، وإنَّ أَرْوَاحَنَا لرخيصة أمام مُقَدَّسات الإسلام وصيانة حُرُمَاتِه، وإن البادئ بالعدوان لهو الإرهابي الحقيقي، وليس إرهابيا مَنْ دَافَعَ عن أرضه وعِرْضِهِ ومقدساته، وإن قضية المسلمين الكبرى في هذا الزمان هي قضية المسجد الأقصى الأسير، والقدس العربية الإسلامية، والتي ستظل إلى أبد الآبدين عربيةً إسلاميةً مهما عاند المعاند أو كَابَرَ المكابر، وَلْيَعْلَم الناسُ جميعًا أنه لا يَصْلُحُ العَالَم إلا إذا كانت العدالة ميزان العلاقات الإنسانية في كل أحوالها فلا يبغي أحدٌ على أحد، ولا يُهْضَم حَقُ أحدٍ لأجل آخر، فسماحة الإسلام لا تنافي الحزم والعزم خاصة في الحفاظ على المقدسات، وكذا في تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، ومواجهة التطرف والإرهاب، وخطر المخدرات والمُسْكِرات، والتصدي بحزم للافتراءات والشائعات عبر المواقع والشبكات، ومحاولات إسقاط الرموز والنَّيْل من ذوي الهيئات والمقامات من أفراد ومؤسسات، والإخلال بالأمن ونشر الفوضى والحطّ من الأقدار والكرامات، وشق عصا الجماعة ، فإن فئاما من الناس فهمت السماحة سماجة، والاعتدال انحلالا ، فتنصلت من الواجبات، ونالت من المُسَلَّمَات، وتفلتت من القطعيات، وتكالبت على تلفيق الفتاوَى والأخذ بالرُّخص في غير مواضعها مُتعللين بالسماحة واليُسر، لافتا النظر الى أن من فضل الله تعالى على بلادنا -بلاد الحرمين الشريفين- أن جعلها بلاد التسامح والاعتدال، ورائدة الحزم والعزم ، فجمعت بفضل الله سوامق الخير وذوائب الشرف والفخر، ولا تزال بالخيرات مُسَوَّرة، وبالبركات مُنَوَّرة.
// يتبع //
14:35ت م

عام / خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي / إضافة ثانية
وفي المدينة المنورة شدّد فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم على أهمية حسن ظنّ العبد بخالقه سبحانه, الذي بيده كل شيء, رزقه وصلاح أمره كله, مؤكداً أن من ثمار الإيمان بأسماء الله وصفاته حسن الظنّ به جلّ وعلا, والاعتماد عليه وتفويض الأمور إليه.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم : إن العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة منها والباطنة, ودخول أعمال القلب في الإيمان أولى من دخول أعمال الجوارح, فالدين القائم بالقلب من الإيمان علماً وحالاً هو الأصل المقصود والأعمال الظاهرة تبع ومتمة, ولا تكن صالحة مقبولة إلا بتوسط عمل القلب, فهو روح العبادة ولبّها, وإذا خلت الأعمال الظاهرة منه كانت كالجسد الموات بلا روح, وبصلاح القلب صلاح الجسد كله, قال عليه الصلاة والسلام : ( ألا وإن في الجسد مضغة, إذا صلحت صلح الجسد كله, وإذا فسدت فسد الجسد كله, ألا وهي القلب) متفق عليه.
وأضاف أن من آكد أعمال القلوب حسن الظنّ بالله فهو من فروض الإسلام وأحد حقوق التوحيد وواجباته, ومعناه الجامع كل ظنّ يليق بكمال ذات الله سبحانه وأسمائه وصفاته, فحسن الظن بالله تعالى فرع عن العلم به ومعرفته, ومبنى حسن الظنّ على العلم بسعة رحمة الله وعزته وإحسانه وقدرته وعلمه وحسن اختياره, فإذا تمّ العلم بذلك أثمر للعبد حسن الظنّ بربه ولا بد, وقد ينشأ حسن الظنّ من مشاهدة بعض أسماء الله وصفاته, ومن قام بقلبه حقائق معاني أسماء الله وصفاته قام به من حسن الظنّ ما يناسب كل اسم وصفة لأن كل صفة لها عبودية خاصة, وحسن ظن خاص بها.
وتابع إمام وخطيب المسجد النبوي يقول : إن كمال الله وجلاله وجماله وأفضاله على خلقه موجب حسن الظنّ به جلّ وعلا, وبذلك أمر الله عباده, إذ قال سبحانه :" وَأَحْسِنُوا ? إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " وقال سفيان الثوري رحمه الله : (أحسنوا الظنّ بالله), وأكد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته على ذلك لعظيم قدره, قال جابر بن عبدالله رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام, يقول : (لا يموتنّ أحدكم إلا وهو يحسن الظنّ بالله عزّ وجل). رواه مسلم
وأوضح الشيخ عبدالمحسن القاسم أن الله جلا وعلا امتدح عباده الخاشعين بحسن ظنّهم به, وجعل من عاجل البشرى لهم تيسير العبادة عليهم وجعلها عوناً لهم, فقال تعالى : " وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ? وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِين الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ".
وذكر فضيلته ثمرة حسن الظنّ بالله في العديد من المواقف, مشيراً إلى سيّر الرسل عليهم السلام الذين نالوا المنزلة الرفيعة في معرفتهم بالله ففوّضوا أمورهم إليه حسن ظنٍ منهم بربهم, فإبراهيم عليه السلام هاجر عند البيت وليس بمكة يومئذٍ أحدٌ, وليس بها ماء ثمّ ولّى إبراهيم منطلقاً فتبعته وقالت" يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي, الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مراراً, وجعل لا يلتفت إليها, فقال له: آلله الذي أمرك بهذا؟ قال, نعم, قالت : إذاً لا يضيعنا" رواه البخاري , فكان عاقبة حسن ظنها بالله ما كان, فنبع ماء مبارك, وعمر البيت, وبقي ذكرها خالداً, وصار إسماعيل نبياً, ومن ذريته خاتم الأنبياء وإمام المرسلين.
وأفاد أن بني إسرائيل لحقهم من الأذى ما لا يطيقون, ومن عظم الكرب يبقى حسن الظنّ بالله فيه الأمل والمخرج, فقال موسى عليه السلام لقومه "اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى? رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ".
واشتد الخطب بموسى عليه السلام ومن معه, فالبحر أمامهم وفرعون وجنده من ورائهم وحينها" قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى? إِنَّا لَمُدْرَكُونَ " فكان الجواب من النبي الكليم شاهداً بعظيم ثقته بالله وحسن ظنّه بالرب القدير, " قَالَ كَلَّا ? إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ", فأتى الوحي بما لا يخطر على بال, " فَأَوْحَيْنَا إِلَى? مُوسَى? أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ? فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ وَأَنجَيْنَا مُوسَى? وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِين ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ".
// يتبع //
14:35ت م

عام / خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي/ إضافة ثالثة واخيرة
وبيّن أن أعظم الخلق عبودية لله وحسن ظنٍ به, نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, آذاه قومه فبقي واثقاً بوعد الله ونصره لدينه, قال له ملك الجبال إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال ( بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ويوحده, لا يشرك به شيئاً) رواه البخاري .
وأضاف, أن في أشد الضيق وأحلكه لا يفارقه حسن الظنّ بربه, إذ أخرج من مكة وفي الطريق أوى إلى غار فلحقه الكفار وإذا بهم حوله, فيقول لصاحبه مثبتاً إياه " لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا " قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه :(قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار : لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا, فقال "ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما) رواه البخاري , ومع ما لاقاه من أذى وكرب وإخراج من بلده وقتال من كل جانب, إلا أنه واثق ببلوغ هذا الدين إلى الآفاق على مرّ العصور, وكان يقول : (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار, ولا يترك الله بيت مدرٍ ولا وبرٍ إلا أدخله الله هذا الدين, بعز عزيز أو بذل ذليل) رواه أحمد.
وأبان فضيلته أن الصحابة رضوان الله عليهم أشد الخلق يقيناً بحسن ظنّهم بالله بعد الأنبياء, فقال تعالى : "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل" مورداً قول عمر رضي الله عنه (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً أن نتصدّق فوافق ذلك مالا عندي, فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً فجئت بنصف مالي فقال رسول الله صلى الله عه وسلم : ما أبقيت لأهلك؟ قلت, مثله, وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكل ما عنده, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أبقيت لأهلك, قال : أبقيت لهم الله ورسوله) رواه أبو داوود , وخديجة سيدة نساء العالمين, جاءها النبي صلى الله عليه وسلم أول ما بدأ الوحي فقال, ( لقد خشيت على نفسي) فقالت خديجة : كلا والله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم, وتحمل الكلّ, وتكسب المعدوم, وتقري الضيف, وتعين على نوائب الحق) متفق عليه.
وبيّن فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي أن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره, ليس تألياً, وإنما حسن ظنّ به تعالى, والمؤمن من شأنه حسن الظن بربه في كل حين وعلى كل حال, وأولى ما يكون كذلك إذا دعاه وناجاه, موقناً بقربه وأنه يجيب من دعاه ولا يخيب من رجاه, ومن أسباب قبول التوبة حسن ظنّ صاحبها بربه, قال عليه الصلاة والسلام فيما يروي عن ربه : (أذنب عبدي ذنباً, فعلم أن له رباً يغفر الذنب, ويأخذ بالذنب, اعمل ما شئت فقد غفرت لك) رواه مسلم.
وأكد أن المخرج عند الضيق حسن الظنّ بالله, فالثلاثة الذين لم يكشف عنهم ما حلّ بهم من الكرب إلا حسن ظنّهم بالله, قال تعالى : " وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى? إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ? إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ".
وأضاف الشيخ عبدالمحسن القاسم أن في حسن الظنّ بالله امتثال أمره, وتحقيق عبوديته, وللعبد من ربّه ما ظنّ به, لقوله عليه الصلاة والسلام : (يقول الله : أنا عند ظنّ عبدي بي, وأنا معه إذا ذكرني) متفق عليه , فهو سبحانه واسع المغفرة والعطاء, فمن أحسن الظنّ به في غناه وكرمه ومغفرته أعطاه سؤله ينزل إلى السماء الدنيا فيقول : من يدعوني, فأستجب له؟ ويده ملأى لا تغيضها نفقة سحّاء الليل والنهار, والله تواب يفرح بتوبة العباد ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار, ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل, ومن كمال صفاته لا يرد من أقبل عليه.
وبيّن أن من أحسن الظنّ بربه , سخت نفسه وجاد بماله موقناً بقوله تعالى : " وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ " فالله سبحانه يعامل عباده على قدر ظنونهم به, والجزاء من جنس العمل, فمن ظنّ خيراً فله ذلك, ومن ظنّ سواه فلا يلومنّ إلا نفسه, قال عليه الصلاة والسلام : (قال الله عزّ وجلّ أنا عند ظنّ عبدي بي فليظنّ بي ما شاء, إن ظنّ بي خيراً فله وإن ظنّ شراً فله) رواه أحمد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.