نأتي للدنيا أبرياء نتسربل بالطهر والنقاء، تدثرنا هالة من اللطف تبقى في أرواحنا وكأنما هي سمة لا تتغير ولا تتبدل ( نظنها كذلك)! نكبر ونتطور ونعبر تلك المراحل من حياتنا، نحاول أن نتشبث بأهداب هذه الهالة بما أوتينا من قوة، إلا أن هذا يتعذر على كثير منا، حيث تزحف إلى نفوسنا سمات غريبة على فطرتنا التي فطرنا الله عليها ويبدأ الصراع بين تيارين الخير والشر أيهما أقوى! فيدق أوتاده في أعماق النفس حتى تلازم صاحبها، وتصبغ تصرفاته وأفكاره وحتى أيامه بألوانها، ويقدم نفسه للآخرين كأجمل ما يكون الرقي والأدب والأخلاق أو عكسهما تماما.. منا من يتفقد نفسه بين حين وآخر، ويطل من نافذة يشرعها على مصراعيها ليرى نفسه من الداخل يرمّم ما تهاوى منها، ويشد بعضها على بعض لتقوم وتستقيم، لا يقبل أن يكون مسخا مشوها من سوء الأخلاق أو اليأس ولا حتى الاستسلام، ينهض بقوة حين يدرك أن الأيام تسير وقد تتخطاه وهو لا يتقدم ماذا بقي منه وماذا بقى له؟! ومنا من تهاوت عليه نفسه، وفقد ما حباه الله من النعم، وفرّط في مكتسباته النفسية بلا مبالاة ولا أدنى اهتمام ! وتظاهر بالقوة والمكابرة ! فما تبقى له إلا رسم إنسان خاوٍ من القيم، متخبط في التوافه، تجره نفسه الضعيفة إلى سراديب الضياع فيهيم على وجهه فما بقى له من نفسه شي، وتفقد ذاكرته بوصلتها فلا يتذكر ما بدأ به من طهر ونقاء ولم يصن أمانة النفس التي بين جنبيه، وخلع عباءة البدايات الجميلة فيبدو وكأنما انعتق من إنسانيته وضميره وخلقه. تفقد نفسك بين الحين والآخر، ماذا فُقد منك؟ وماذا تبقى لك؟ عُد إلى أصل فطرتك النقية بلا كدر ولا تشويه فحريٌّ بك أن تتشبث بآدميتك، فلا تتخلى عن كيف كنت أولا، وكيف أصبحت آخرا. بقلم: أ. جواهر الخثلان