أمي لم تَمُت حين غيب الموتُ أمي .. كان عزائي لنفسي أن الموت هو نسيان الأحبة، وأنّ أميّ وإنْ غيّبها الموتُ ستظلّ بين جوانحي ما حييت. أمي لم تَمُت ! فالموت غياب الأرواح والذكريات .. الموت هو أن تفارق من تحب بالجسد والروح وأن تنساه للأبد.. الموت هو أن تنسى الأحبة من الدعاء والصدقة والذكر الحسن والذكريات السعيدة.. الموت هو أن لاتذكرهم في صلواتك وحين تضع جبينك ساجداً على الأرض.. الموت هو أن تستمر بفعل مايغضبهم.. أتعلمون أن الميت في حياة البرزخ يفرح لكم ويتألم من أجلكم.. أمي لم تَمُت فالحب الصادق هو مايراه الميت منك بعد موته.. وأعظم والصل والحب والحنين للميت هو الدعاء له.. وأقوى علاقة تربطك بالأموات هي صلتك بهم عن حب لاترجو منه نفعاً مادياً حب غير مشروط بمصلحة أو منفعة، حب حمله إليهم البرُّ والإحسانُ والوفاء .. أمي لم تَمُت؛ لأن ذكرها بيننا لن ينقطع، وحبنا لها سيظلّ باقيًا وسط قلوبنا التي تنبض بحبها وترتوي من ذكرياتها وتأنس بالدعاء لها. أمي لم تَمُت لأنها تركت أثرًا في كل مكان مرّت به، فهذه (الرياض) بحدودها وأحيائها القديمة وجيرانها الطيبين تشهد على قصص وفائها ومواقفها وعطائها.. أمي لم تَمُت في قلوب أبنائها وأهلها وصديقاتها وجاراتها ومعارفها؛ حيث كانت رحمها الله محبّةً للخير ولم الشمل وجمع القلوب وإصلاح ذات البين هي أم لمن لاأمّ لها وأخت لمن لا أخت لها وصديقة لمن لا صديقات لها .. أمي لم تَمُت كانت في مناسباتنا السعيدة مصدر السعادة بحضورها وعطائها وضحكتها وحديثها وابتسامتها وكرمها.. أمي لم تَمُت رعتنا في طفولتنا بالحنان والعطف والعطاء والحب، علمتنا التواضع ولين الجانب وحذرتنا من الكبر والتعالي ذكرتنا بأن الإنسان مهما أعطاه الله لا يستغني عن إخوانه.. أمي لم تَمُت علمتنا الصبر والتضحية فكانت لنا خير قدوة لأنها لاتشتكي إلا لخالقها؛ كانت تقول لنا (أنا جئتُ إلى (الرياض) بمفردي لاأخت ولاأم ولا معارف فرزقت بأخوات حبيبات يعطينني وأعطيهنّ ويخدمنني وأخدمهنّ ويساعدنني وأساعدهنّ.. أمي لم تَمُت تعلمنا منها معنى حُبّ الأخ والأخت كانت الصغيرة المحبوبة العزيزة لديهم وكانت لهم الأخت الحنونة والحضن الدافئ والصدر الرحب.. أمي لم تَمُت علمتنا المسؤولية بكل فنونها وأشكالها وصورها؛ أسندت لنا المهام وراقبت الأداء ورصدت النتائج بنات وأبناء عصاميين مكافحين عاملين ناجحين في حياتهم الخاصة والعامة.. أمي لم تَمُت علمتنا معنى البر بالوالدين فكانت عونًا لوالدي على برّ والديه والقيام بحقوقهم عليه في ضعفهم ومرضهم وحاجتهم.. أمي لم تَمُت فقد طبعت حبها في قلوب أحفادها كيف لا ؟ وهي الصدر الحنون ومستودع أسرارهم،كانت الحانية التي دمعتها تسبق مشاعرها تعبيراً عن حبها وأنسها بهم.. أمي لم تَمُت ستبقى بيننا ماحيينا رسالة الحب الدائم والوفاء الصادق والعطاء المستمر ستبقى الأثر الباقي الذي يزداد رسوخًا في الوجدان كلّما مرّت الأيام والسنوات .. (اللهم اغفر لأمي وارحمها وعافها واعف عنها وأكرم نزلها ووسع مدخلها واغسلها بالماء والثلج والبرد ونقها من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم إنها أحسنت إلينا فأحسن إليها ،اللهم جازها بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً). قبل الوداع: هذه قصيدة تنتحب عن الفراق الموت والرحيل المر للشاعر عبد العزيز جويدة: أنا الكلماتُ تحترقُ .. على شفَتي وأنفاسي تَهُبُّ كمثلِ نيرانٍ على رئتي أنا قلتُ: مساءُ الخيرِ يا أمي وما ردَّتْ تُراها قد نسَتْ لغتي ؟ فتحتُالبابْ وأغلقتُ .. ورائي البابْ ونادتْني ليالي الأمسِ والأحبابْ وحييتُ الذي يجلسْ .. جواري دائمًا أبدًا: مساءُ الخير يا حزني فردَّ الحزنُبالترحابْ تذكرتُ .. هنا وجهَكْ ووجهُكِ طلَّةٌ من نورْ وقلبًا يُشبهُ البلُّورْ وتسبيحًا وتكبيرًا وعطرَ بخورْ تذكرتُ .. هنا التنورْ وخبزًا جافْ وظِلَّشُجيرةِ الصفصافْ وضمَّةَ صدرِكِ الحاني على طفلٍ رضيعٍ خافْ تذكرتُ .. دعاءَكِ في صلاةِ الفجرْ تذكرتُ الكلامَ الحلوَ في يومٍ تذكرتُ الكلامَالمرْ ويومَ سألتِني مرَّةْ عن الموتِ وأولِ ليلةٍ في القبرْ وعن حالِ السنينَ هناكْ وكيفَ تمُرّ؟ ومرَّ العمرْ وصارَ المرُّ في حلقي هناكَ أمَرّ وظلَّ السرُّمطويًا وخلفَ السرّ أنا مازلتُ يا أمي على قبرِكْ هنا طفلاً .. يبيعُ الصبرْ أُناديكِ وأنتظرُ .. يجيءُ الردّ وأصبحَ بيننا سدٌ وماذا خلفَ هذا السدّبدأْنا العدّ أنا طفلٌ حديثُ العهدِ باليُتمِ ولا أدري وماذا بعدْ فمنْ بعدَكْ .. عليَّ يرُدْ؟ ومَن بعدَكْ .. إذا قبَّلتُ كفَّيهِ.. أذوقُ الشهدْ؟ ومن يمسحْ .. على رأسي إذا أأسى؟ بقلم : فاطمة الجباري