في ذلك الزمن البعيد ، حيث كانت تلك البقعة من الأرض المهجورة .. ليس على ظهرها لا إنس ولا حيوان .. ليس فيها أحد ، لا ماء ، لا زرع ، ولا تجارة تنعش الحياة .. وهل كان هناك حياة من الأصل ؟ .. انني أتكلم عن أرض مكةالمكرمة في زمن الخليل إبراهيم عليه السلام ، يأتي بزوجته وابنه إلى هذه الأرض ويضعهما فيها .. ثم يدير ظهره للخروج منها تاركاً فلذة كبده وأمه معه .. فيأتي صوت من خلفه ( ءالله أمرك بهذا ؟ ) .. سألته بتعجب ، بإستفهام ، بحيرة وخوف .. بعد مضي بعض الوقت جاع الطفل وبدأت بالسعي إلى الجبل ووقفت على قمته ( الصفا ) تنظر يمنة ويسرة هل من أحد ؟ هل من ماء ؟ هل من منقذ ؟ .. يأتيها الرد بسكوت الحياة وانعدامها ، تنزل وتذهب إلى صديق هذا الجبل ( المروة ) تقف في الأعلا ، ولم يختلف رد هذا الجبل عن صديقه .. لاشيء .. سبع مرات من ذاك إلى هذا ومن هذا إلى ذاك وما علمت أن الخير والبركة كانت أقرب من طفلها منها .. لم تتوقع سهولة الحل وعظمته بينما كانت تسعى من جبل إلى جبل ، نعم يا صديقي ، نتحدث عن رحمة وعظمة الله عن لطفه وكرمه .. عن علمه الواسع جل جلاله .. إنه الرزاق الذي يرزق من لا يعبده فكيف بمن يعبده ! وما كان سعيها إلا عن ثقة كبيرة برب كبير عظيم جليل ، ومن الجميل في قصة هذه الامرأة المصرية هو درس عميق ، تعلمنا صفة توجد في عظيم الإنسان ، إنها المثابرة ! لا يمتلك الناجح في قاموس حياته كلمات تدل على اليأس والعجز والكراهية والحقد .. جميع معاجمه تدل على القوة والصبر والمجاهدة والمثابرة .. إنها واحدة تلو الأخرى ، يصنع طريقاً ينحت جبلاً يحفر أرضاً إنها المثابرة .. يا صديقي .. في السنة الحادية عشر للهجرة الشريفة عندما ترأس أسامة بن زيد رضي الله عنه الجيش ، ذلك الشاب البطل يصبح قائداً ! – ترأس ؟ على من ترأس ؟ وكيف وهو لم يتجاوز العشرين من عمره يصبح قائداً ؟ – نعم .. رأّسه النبي صلى الله عليه وسلم على جيش عظيم عظيم عظيييم .. على جيش فيه عمر ! نعم ، الفاروق عمر رضي الله عنه وأزيدك من الشعر بيتاً ، كان يوجد في هذا الجيش أيضا الصديق أبو بكر صاحب رسول الله وخليفته ، جميعهم تحت امرة شاب من شباب الإسلام ، إنهم تحت امرة أسامة بن زيد يا رفاق ! قبل أن يخرج الجيش ثَقُلَ على رسول الله مرضه وغادر الحياة اللهم صل وسلم عليه – اللهم صل عليه ، بعدها تولى أبو بكر الخلافة !؟ – نعم ، وبعد محاولات من الأنصار عن طريق الفاروق رضي الله عنهم بأن يُقنع أبو بكر الخليفة بأن يُزيل أسامة من القيادة ويضع غيره من كبار الصحابة أو أن يبقي الجيش في المدينة ليحميها ! فجاء رد أو بكر ” ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب .. استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتأمرني أن أنزعه ؟ والله لا يكون ذلك ” وبعدها ذهب أبو بكر ليستأذن من أسامة بأن يُبقي عمر معه في المدينة ليعينه على أمور الدولة .. فوافق أسامة .. – الله الله يا لجمال أخلاقهم .. وعلو همتهم .. – يا صديقي ، لم يحدث ما حدث لو لم يكن أسامة يستاهل هذا القدر من المكانة والقيادة ، ثابر وصابر وجاهد فكان رمزاً من رموز الشباب وقوتهم ! ليس العمر من يصنع الرجال ، وإنما المثابرة من تصنع الرجال .. – فما قصة جارنا أبو سعود ؟ – مذ عدة أسابيع وأنا أسعى جاهداً أن أسبق جارنا أبو سعود إلى الصلاة في المسجد .. لكن باءت بالفشل ، عجِبتُ من أمر هذا الرجل ! بعد الأذان ببضع دقائق أسمع محرك سيارته قد دار وإذ به متوجه إلى المسجد ، مستحيل وألف ألف مستحيل أن يصلي إلا في الصف الأول بجانب من كان خلف الإمام ، ماشاء الله عليه ، أعطاني دفعة معنوية كبيرة لأكون ولو بالقرب منه في الصف الأول ، وتحقق الحلم .. كنت قريبا منه.. – ماشاء الله .. بجانه عن يمينه أو يساره في الصف الأول ؟؟ – لا ، كنت خلفه في الصف الثاني !! هنا المثابرة في شكل من أشكالها يا صاحبي .