بقلم | عبدالله غانم العابسي ومن الشخصيات القديمة والرائعة بطريب رجل اتفق الكثير على محبته ومكانته لصفات انسانية وفكرية واجتماعية اجتمعت به. وهذا بلا شك فضل من الله تعالى يهبه لمن يشاء من عباده. إنه الشيخ الجليل سيف بن راشد ال غطاط -رحمه الله- وقد رأيته لمرة واحدة فقط كالحلم بداره في مشروفة تلك القرية الجميلة. وحينها كنت برفقة جدي عبدالله العابسي -رحمه الله- وهما صديقين على مايبدو.
وربما تغلب جانب التذكر على مقدرة الفهم والاستيعاب. ولذلك لم اتمكن من معرفة أكثر من رؤية رجل ابيض الوجه. ذو لحية بيضاء. وعلى رأسه شال ابيض نظيف جداً. ويتحدث مبتسماً. ويصنع القهوة بنفسه على نار الجمر لضيوفه في مدخل منزله. مكان به مصحف وادوات وبضع ورقات اطرافها متشققة وبنادق معلقة. لكن الأهم هو ما سمعته عنه من بعض معارفه القدماء. فقد وصفوه بأنه جواد كريم على الرغم من صعوبة الظروف. وباب منزله لا يستنكر الزائرين. ومائدته عامرة لكل من قصده وعلى قدر مايتوفر لديه.
ويكفي الشيخ شرفا ومكانة أنه كان قارىءٌ ومعلماً لكتاب الله تعالى. وحافظاً لكثير منه. وتتلمذ على يديه الكثير من ابناء طريب وفي خارجه. وكان يكتب الرسائل ووثائق الإصلاح مستخدماً ريشته ومحبرته. ويقرأ المكاتيب للناس حين كان الأغلب من السكان أميين. ويقرأ في بعض كتب الأحاديث. ويعتلي منبر خطبة صلاة الجمعة خطيباً وإماماً. فأنعم وأكرم بهكذا انسان حمل قلبه القرآن والإيمان. وفي تعامله مع الناس حمل شيم العرب. وفي جوده لضيوفه يمثل كرم وسخاء الأغنياء وهو ليس بغني.
ولهذه الصفات الإنسانية والإيمانية القرآنية بزمن الشح وأمية القراءة استحق مسمى الشيخ وهذا قليل تجاه من يحمل ايات القرآن والقلم ويعُلم غيره آنذاك. وبعيداً عن ذلك التميز فقد كان ايضاً مهني محترف في صيانة وفحص البنادق. حيث يقوم بتفكيكها واصلاح عيوبها ومن ثم تجربتها عملياً وكأنه مهندس في احد مصانع الأسلحة بمملكة بلجيكا التي صنعت لنا بندقية البلجيك.
فكان سيف بن غطاط بناءً على ذلك وعلى سمعته الطيبة وعلو مهنته وفتح باب داره للجميع حاضرة وبادية وإصلاحه للخلافات بين الناس وتوثيقها بيده وبناء على صدقه واهتمامه بالقرآن مقصداً لكثير من رجال الصحراء والبادية والحواضر.
سيف بن غطاط واقرانه ذلك الجيل العصامي. والأشداء الأقوياء. الذين تغلبوا بعرقهم وفكرهم على تحديات وصعوبات الحياة. وطوَّعوا أشد الظروف وتغلبوا عليها. وصنعوا بأيديهم وتفكيرهم مايلزمهم للبقاء على الحياة. وحملوا القرآن رغم المشقة وانعدام التعليم. أُولئك جيل كان مبدأهم الصدق وشيمتهم الوفاء. وشعارهم كلمة التوحيد العظيم الذي يخشعون عند سماعه فتخضع معه نفوسهم تواضعاً وخشية لله.
وبما أن الحديث عن هذا الرجل الوقور سيف بن راشد وغيره من الطيبين الذين اهتموا بالعلم القرآني وشرف العمل المهني كما فعل بعض الانبياء عليهم السلام والصالحين عبر التاريخ فما أجمل قول الفرزدق: أولئك ابائي فجئني بمثلهم***إذا جمعتنا ياجرير المجامع.
سيف بن راشد ال غطاط هذا الرجل الماهر والشيخ القارئ الوقور والكريم المبتسم غادر طريب الى مكان آخر هو المضة واستمر على نفس النهج. ولا اعلم متى ولماذا غادرالعم سيف طريب. ولا اعلم متى وأين توفي رحمه الله. ولأحفاده الكلام إن شاؤا.