يتباهى العرب بقبائلهم وما تتميز به من الفضائل والصفات وهذا لا بأس به ما دام في حدود المعقول دون افتخار أو تكبر على الآخرين والانتقاص منهم , مع أن النسب كما لا يخفى عليكم لا ينفع صاحبه , فالعبرة بالتقوى لا سواها , جاء في الحديث عن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَله لَمْ يُسْرِع بِهِ نَسَبه ) رواه مسلم . فينبغي أن لا يتكل على شرف النسب وفضيلة الآباء ويقصر في العمل , و هذا معلوم لمن تعلم أما الجهل فلا يزيد صاحبه إلا بعدا . قبل بضع سنين اتصل بي أحد الإخوة للسلام علي وكان بجواره صديق له وهو في طور تأليف كتاب يتحدث فيه عن القبيلة (قحطان ), ودار بيننا حديث حول الكتاب فكان مما قلت له : إذا عزمت على التأليف فعليك بكتابة المفيد والجميل كنسبها وقبائلها والصفات الكريمة والقصص الجميلة في تاريخها, واجتنب ذكر الحوادث مع القبائل الأخرى انتصاراتها وخسائرها , وإياك وذكر العادات القبيحة والأعراف الذميمة فإنها لا ترفع من قيمتها بل تحط منها إلا إذا اردت أن تحذر منها وأنها مما يجب تركه بحكم مخالفتها للعادات الحميدة فضلا عن حكم الشرع , وانتهت المحادثة . وبعد عدة أشهر وجدت الكتاب بعد نشره مع بعض الاخوة , فأخذت أقرأ وأقلب صفحاته وإذا فيه من قصص الحروب مع القبائل وأحداث لا يسرّك ذكرها وعادات لا تملك إلا أن تخفض رأسك خجلا منها, وقد يذكر بعض أسماء أصحابها على سبيل الافتخار في زعمه, كقصة فلان… عندما قتل فلانا … يحسبها شجاعة واقداما , وقصص قتل وسلب ونهب كما هو حال القبائل في وقت مضى , كما أورد صورا لكتابات عن أحكام صادرة من بعض مقاطع الحق – كما يزعمون– وفيها ” حضر فلان وفلان … وقد حكمت على فلان بكذا وكذا ” وهذه فيها مخالفة شرعية واضحة فالحكم يكون بشرع الله لا بغيره كما ذكر العادات التي تشتهر بها القبيلة ومنها الجيرة (أم المصائب القبلية ) وغير ذلك. ويوجد في الكتاب بعض القصص والقصائد الجميلة ,انتهت قصة الكتاب . أما وقد كانت القبائل تنهش في بعضها وتقتتل وتسرق بعضها ولا يردعها رادع , وذاك زمان كفانا الله ما فيه , ووقت عم أهله من الجهل والظلم والعدوان مالا يعلمه إلا الله , وأبدلنا الله خيرا منه, فمن علينا بالعلم والأمن والأمان وعم الرخاء وأصبحنا مجتمعا واحدا من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب نسكن في أي مدينة ونمتلك في أي مكان في هذه البلاد المباركة , وانتهى عصر القبلية والتخلف والجهل , وكلنا نعلم أن هذا تحقق بفضل الله ثم بتطبيق الشريعة السمحة , فتميزت الأماكن والمدن وتقدمت بقدر تمسك أهلها بالدين والمعرفة أما من بقي يسعى خلف القبيلة وبعض أساطيرها فبقي في المؤخرة وانعكس ذلك سلبا على أبنائها وثقافتهم فبقيت بعض العادات والأعراف تنمو معهم بمباركة من كبارهم جهلا منهم وتشجيع من شبابهم الفارغين فورثها الصغار وما زالت تخالط الدماء في عروقهم حتى ألان إذا ما استثنينا بعض من قام بتهميش قانون القبيلة ولحق بركب العلم والمعرفة ليرتقي هو وأبناؤه وهذا ملاحظ في بعض الأسر ومعروف . ولعل في قبيلتي صفة قبيحة بقدر قبح فاعلها ومن يؤيده أو يساعده أو يجيره ويؤويه ألا وهي التعدي على النفس البريئة إما بقتل أو أذى , وهي كما يسمونها ( ضرب المعفي ) وفي الحقيقة أنها علامة سوداء في جبين قبيلتي وتاريخها حتى تتركها , فمن منا سمع بها أو قرأ عنها عند اليهود أو النصارى فضلا عن المسلمين بل حتى في عالم الحيوانات – أجلكم الله – لا أظن أحداً من الخلائق يفعلها سوى قبائلنا ومن تبعهم ؟!!. فيا ابن قبيلتي على رسلك ولا تتكبر على من سواك وتفتخر, فالقبائل غيرنا تعيش في أمن وسلام ويتحاكمون إلى الشرع والجاني يتحمل جريرة فعله ولا علاقة لاقاربه , بينما نسمع بين الحين والآخر بيننا من قتل أخاه أو جاره في أمور تافهة جداً ثم يلوذ بحمى قبيلة أخرى ليحمي نفسه وقبيلته أو أسرته , بالله قولوا لي في أي عصر نعيش ؟! يا ابن قبيلتي لقد عشنا سنينا في شرق البلاد وغربها وشمالها فما سمعنا بهذا إلا في جنوبها (عندنا )!!ثم تجدنا نتباهى ونتغنى ونتراقص على الأغاني و الشيلات – المحرمة – بأننا الشجعان والكرماء وأهل غيرة وحمية وفزعة وعون للقريب , وعند أدنى سبب نضحي بأقرب الناس لنا ونعتدي على النفس البريئة بدون ذنب و كأننا نعيش في غابة !!. يروي لي أحد الاخوة قصة حدثت في مدينة جنوبية فيقول : حدث خلاف بين اثنين فقام احدهما فشج وجه صاحبه بسكين ( سبك ) فتم ادخال المجني عليه المستشفى والجاني في السجن , فسافر أخو المجني عليه إلى الرياض وتوجه إلى بيت أحد أقارب الجاني وطرق بابه فخرج صاحب البيت ورحب بقريبه إلا أن الضيف أخرج سكيناً فضرب به وجه قريبه الذي رحب به مما استدعى بقائه في المستشفى لعدة اشهر تقريبا ,( كل هذا وهم في جوار قبيلة أخرى إلا أن الجيرة لم توقف شيء) , وبعد أن شفي المريض غادر المستشفى وتوجه من الرياض الى الجنوب دون علم احد, وترقب صلاة الفجر حتى خرج أحد أقارب الجاني الذي اعتدى عليه , وهو في الطريق إلى المسجد لأداء صلاة الفجر أخرج سكينا فضرب بها وجه هذا البريء دون أدنى ذنب سوى أنه من أقارب المعتدي , وهكذا كانت مجريات هذه الحادثة بين الاقارب , وبينما كان الجاني واحدا والمجني عليه واحدا اصبحوا خمسة , فلا رادع من دين ولا عرف ولا عادة ولا حياء، فبالله عليكم ماذا نسمي هذا المجتمع الذي نحن منه وهذه صفاته . يا أحبابنا نتمنى أن يمر العام ولا نسمع بقتل أو إعتداء أو قطيعة رحم . يا شبابنا وعماد مستقبلنا وقوة أمتنا تسلحوا بالعلم وجالسوا الأخيار وإياكم والجلوس مع الجهلة ممن يتغنى بالقبيلة ويطريها و احذروا من حضور مجالس من يزعمون الإصلاح ويحسبون أنهم مصلحون , اهجروا مجالسهم واجتماعاتهم , وجهوهم بالذهاب إلى المحاكم بدلا من مجالس الجهل والإفساد, علموهم التوحيد, بينوا حرمة الدماء , وكيفية الطهارة وغسل الجنابة , والفاتحة والصلاة , وصلة الأرحام , علموهم كيف يعطوا الإرث للنساء , علموهم بحقوق الزوجة والأبناء , علموهم كيف يعبدون الله على بصيرة , علموهم كيف يكون الإصلاح , وناصحوهم با لتحاكم إلى شرع الله و الرضا بحكم الله , واحرصوا على أن تكونوا قدوة صالحة للأجيال من بعدكم. حينئذ لكم الحق أن تفخروا بأفراد قبيلتكم الذين سادوا بعلمهم وتميزوا بأخلاقهم. وان كانت قبيلتي في بعض امورها قد خالفت شرع الله بالتحاكم إلى غير شرعه و ببعض العادات , فإن فيها كرماء وعظماء عملوا المعروف وداسوا بأقدامهم على الجهل والعادة المخالفة للشرع فحازوا على رضى الله – إن شاء الله – ثم رضى الناس وهذا ما فعله الشيخ محمد بن سعيد بن نومة رحمه الله واسكنه الفردوس الأعلى من الجنة , وجزاه خيرا على فعله العظيم الذي أسال الله أن يتقبله منه وأن يصلح ذريته من بعده ويوفقهم للعمل الصالح , فقد ضرب أروع الأمثلة وصبر على المصيبة في أول وقتها فحفظ حق الاسلام والرحم والجوار. كان هذا قبل زمن قريب ثم ها هو يغادر الحياة قبل أيام وبتوديع يفوق الوصف من حيث جموع المسلمين سواء في الجامع عند الصلاة عليه أو عند تشييع جنازته أو في وقت العزاء وقد رأيت هذا بنفسي ولعله نتاج العمل الصالح الذي قدمه وعاجل بشرى للمؤمن , ( وكما قال الامام أحمد في حق اهل البدع : بيننا وبينهم يوم الجنائز ) . فليتنا نتعلم ونعلم أن العاقبة للمتقين وأن الخير في الفقه في الدين.