العالم اليوم يموج بالفتن ، وتتلاطم أمواج المنايا في كل نواحي العالم العربي والإسلامي ، وبدأ الماء عكراً، فامتدت أيادي الصيادين لتصطاد فيه ، وغدا نهّاز الفرص كحاطب ليل ، ليس بمقدوره الصبر حتى انبلاج نور الصباح ، فاحتمل ما ينفع وما يضر ، فعرض نفسه لخطر ما أدركه في ظلام ليله . تلك هي امريكا وتشريعها المعروف بقانون (جاستا) ، والذي أقره الكونجرس ومجلس النواب وتباشر به المحامون ، ومن نسي احداث 11 سبتمبر ، فالأطفال كبروا، والأرامل تزوجن ، وذهبت ذكرى ذلك اليوم في غبار عواصف الموت والدمار التي طافت بالمدن في سوريا ، وبالذات في حلب الشهباء ، وغيرها ، وفي ارجاء العراق ، وفي ليبيا المضطربة ، واليمن الراقص مذبوحا على يدي ابنائه . لكن الحديث عن التعويضات أسالت لعاب أهالي الضحايا ، واستمطرت دموعاً سبق ان جفّت ، لتستدر عطف المشرّعين الذين لن تخلوا جيوبهم من فائض التعويضات . ولكن اللّافت للنظر أن تشريع ( جاستا ) جاء ليضع المواطن الامريكي في مواجهة سيادة الدول ، وهو مخالف للقانون الدولي ، ومواثيق الأممالمتحدة -رغم ان أمينها بان كي مون لم يبدِ قلقه – وسوف يخلق هذا القانون فوضى يكتوي بنارها من أشعلها . والحقيقة أن المملكة ليست الهدف الوحيد لهذا القانون ، بل هناك دول سبق أن أعلنت الحكومة الامريكية عن ضلوعها في دعم الاٍرهاب ، وتدريب واستضافة الإرهابيين ، مثل إيران وافغانستان . ويحضرني اسم ( محمد عطا ) أشهر من تحدث الاعلام عن ضلوعه في احداث 11 سبتمبر، وهو مصري الجنسية ، فهل ستكون مصر في دائرة الاتهام ؟! ، لقد قدمت المملكة جهوداً عظيمة في محاربة الاٍرهاب وتتبع الإرهابيين للقبض عليهم ، وأنشأت مراكز للتصدي للارهاب ، وتعاونت مع كل الدول في هذا المجال ، وليس من المنطق ولا من العدل نسيان هذه الجهود ونكرانها ، وحين تتوقف المملكة عن هذا المشروع الهام ، لقاء عدم تقدير مواقفها ، فإن امريكا سوف تدفع ثمناً غالياً للتصدي للارهاب . أما من الناحية القانونية ، فإذا بحثنا عن الجهة التي كانت سبباً في وجود تنظيم القاعدة المتهم بأحداث 11 سبتمبر ، ومن أنشأ هذا التنظيم ودعا إلى الانضمام له ، وَسَخَّر الاعلام لإظهاره ، فهي الولاياتالمتحدةالامريكية إبّان الحرب الباردة مع اللاتحاد السوفييتي، حين تدخلت عسكريا في أفغانستان ، فأرسلت الولاياتالمتحدة الخبراء والمدربين لمساعدة المقاتلين ضد السوفييت ، واستقطبت المقاتلين العرب ، وقاد الخبراء الأمريكان قوافل المجاهدين العرب وغيرهم ، حتى أن كلمة الجهاد لم تكن قبل ذلك الوقت مذكورة بقواميس اللغة الانجليزية . إن الاعلام الغربي عامة والأمريكي على وجه الخصوص كان يسير مع جموع المقاتلين في تنظيم القاعدة كلما هبطوا وادياً من أودية أفغانستان ، أو صعدوا جبلا من جبالها ، ممجدين جهادهم ، ومادحين بسالتهم وشجاعتهم ، ومؤكدين مشروعية جهادهم ، وبذا فإن وزر هذا التنظيم ، يقع على الحكومة الامريكية ، وهي المسؤولة امام شعبها المتضرر ، بل هي المسؤولة عن كل ما وقع بالمملكة من أضرار كان تنظيم القاعدة وراءه . لقد أسقطت المملكة الجنسية عن أفراد تنظيم القاعدة المعروفين ، وسارعت في القبض على عدد كبير منهم ، وأقامت حدود الله فيمن تورط بأعمال ارهابية ، وكانت أشدّ من امريكا في محاربتهم قبل أحداث 11 سبتمبر وبعدها ، فهي بريئة من تهمة دعمهم ، براءة واضحة وضوح الشمس في رابعة نهار الرياض صيفاً ، وأجزم أن الحكومة الامريكية تدرك ذلك ، ولا يساورها شكٌ فيه ، لكنها سمحت بذلك التشريع الغريب كطريق للابتزاز ، وهي بهذا ستخسر اكثر مما ستكسبه . وحتى لا نستبق الأحداث فإن علينا انتظار ما سيحدث بالمحاكم الامريكية ، وكيف يتم توصيف القضايا ، فالقانون لم يجرم المملكة بعد ، وإنما أجاز إقامة الدعوى ضدها . المستشار المحامي أحمد عيد الحوت