المهمة بسيطة والأدوات حاضرة كاميرا وسيناريو لبث المعاناة إما بطريقة تمثيلية أو حقيقية على الواقع وبعد الانتهاء من التصوير يتم النشر فقط عبر تنزيلها على موقع اليوتيوب ليراها الملايين في بضعة أيام. هكذا اختار السعوديون الهروب بهمومهم ومشاكلهم من طرق الإعلام التقليدي المحفوف بمخاطر الإزالة والقص والمليئة بالحواجز والعقبات إلى ساحات اليوتيوب الواسعة بحثا عن النشر دون قيود ورغبة في إيصال المعاناة إلى المسؤولين بأقصر الطريق وأكثرها تأثيرا. ففي كل يوم نسمع عن مقطع جديد أو مسلسل يوتيوبي أبطاله مجموعة من الشباب والفتيات السعوديات الذين رأوا فرصة لإظهار إبداعهم وطريقة تفكيرهم وبث مشاكلهم بسهولة دون رقيب صارم. بيد أن التفاعل مع هذه المقاطع مازال ضعيفا ويحتاج لالتفاتة من قبل المسؤولين لما ينشر فيها ومحاولة التجاوب معها بحثا عن المصلحة العامة التي يرنو لها كل محب لهذه البلاد. ولعل دخولك للموقع وتقلبك بين مقاطعه يجعلك تتعجب من حجم المقاطع التي أبدعه شباب سعوديون ناقشوا فيها كل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية والفنية بأسلوب احترافي قل مثيله. والشواهد على ذلك كثيرة من أبرزها قضية قيادة المرأة السعودية للسيارة والتي شهدت فيها الساحة المحلية جدلا كبيرا حيث استغل بعض الشباب هذه المواقف ليترجموها في مقاطع فكاهية «مداعبة»، إذ نشر أحدهم مقطعا يقلد فيه سيدة سعودية وهي تقود سيارتها وتلتقي صديقتها وتتحدثان عن مهارة قيادة السيارة بأسلوب كوميدي. المقطع الذي لم يتجاوز نشره الأسبوعين تابعه أكثر من 400.272 مشاهد، وحظي المقطع بإعجاب متابعي موقع اليوتيوب وحظي بالعديد من تعليقات الزوار. ولا يمكن أن ينسى السعوديون فيلم «مونوبولي» بعد أن عرضت مجموعة من الشباب السعوديين، أطلقت على نفسها لقب «مجموعة التائبين»، فيلما جديدا يتحدث عن احتكار الأراضي، وسلطت مشاهد فيلم «مونوبولي» الضوء على أزمة السكن التي يعيشها المواطن في السعودية بقالب وثائقي متخيل، وبأسلوب الكوميديا السوداء الذي تمتاز به قناة «كريتيف سينما» على اليوتيوب والتي أنتجت الفيلم. ويسلط الفيلم الضوء على ظاهرة احتكار الأراضي، وكيف أنها ساهمت بشكل رئيس في ارتفاع أسعار الأراضي لأرقام غير معقولة، حتى إنه بات من المستحيل للمواطن صاحب الدخل الأقل من 15 ألف ريال التفكير في امتلاك أرض ناهيك عن امتلاك مسكن. وظهر في الفيلم الكاتب الاقتصادي والمدون المعروف عصام الزامل الذي طالب بفرض رسوم أو «زكاة» على الأراضي المحتكرة، وأكد أنها هي الحل لإعادة أسعار الأراضي لأسعارها الافتراضية حتى تكون في متناول معظم المواطنين. ومع كل إشراقة شمس يوم جديد تشرق معه مئات المقاطع في اليوتويب التي تنتقد بعض القرارات الصادرة أو الشروط التعجيزية تماما مثلما حصل في شروط حافز حيث سارع البعض لإنتاج مقطع شبه برنامج حافز بالبرنامج الغنائي الشهير سوبر ستار. وما عزز قوة هذه المقاطع المتابعة الكبيرة التي يحظى بها موقع اليوتيوب من قبل المجتمع السعودي، إذ كشف مختص في المواقع الإلكترونية، أن السعوديين يشاهدون يوميا ما يزيد على 36 مليون مقطع فيديو على الموقع الشهير «اليوتيوب» بمعدل 150 مليون دقيقة يقضيها المستخدمون على الشبكة العنكبوتية، في الوقت الذي يجرون أكثر من 28 عملية بحث عبر منصة محرك البحث «جوجل». وأكد عبد الرحمن بن إسماعيل طرابزوني، المدير الإقليمي للمنطقة العربية في «جوجل»، أنه بحسب دراسة أجراها محرك البحث «جوجل» على شريحة واسعة من مستخدمي الإنترنت في السعودية نهاية العام الماضي، ولم تنشر نتائجها إلى الآن، فاقت معدلات تصفح الإنترنت مشاهدة التلفاز بمتوسط ساعتين يوميا، مبينا أن 97 في المائة من استخدامات الإنترنت تتم في محرك البحث «جوجل»، ومنها 45 في المائة من العمليات تتم باللغة العربية، في حين يجري المستخدمون في المملكة ما يزيد على ستة ملايين عملية بحث في الإنترنت عن طريق الجوال. ويعلق المختص في الإعلام الجديد الدكتور سعود كاتب على لجوء السعودييين لبث همومهم من خلال مقاطع اليوتيوب، مبينا أن السبب الرئيس هو كثرة المحاذير في الإعلام التقليدي كالصحف والفضائيات والإذاعات في الوقت الذي يجد فيه المجتمع موقع اليوتيوب ملجأ آمنا لإنتاج مقاطع مبسطة ونشرها. وأكد كاتب على أن العملية تحولت من هوية لاحتراف حتى وجدنا كثيرا من المقاطع تم إنتاجها بشكل احترافي تفوق في الحرفية والفكرة الصناعة الدرامية المحلية. بيد أن كاتب يرى أن اهتمام المسؤول بهذه المقاطع والتفاعل معها مازال ضعيفا قياسا بالتفاعل مع وسائل الإعلام التقليدي، مطالبا بضرورة أن يخصص المسؤولون جزءا من أوقاتهم لمتابعة هذه المقاطع ومحاولة إيجاد حلول عاجلة لكثير من القضايا التي تطرح فيها. ولفت كاتب إلى أن هذا المقاطع كشفت عن مدى الحس الإبداعي والفكاهي لدى المجتمع السعودي الذي تحول كل فرد منه إلى إعلامي وممثل فجر طاقته في ساحات اليوتيوب الفسيحة.