أكدت دراسات اقتصادية متخصصة بأن مبادرات "العمل من المنزل" تعد الاستجابة العملية لإشراك المرأة الخليجية في القوى العاملة الوطنية، مما يسهم في دعم الاقتصادات المحلية وزيادة معدلات التوطين. وأشارت إلى أن هذا الأسلوب يعد أسلوبا مشهودا له بالكفاءة في العمل، وسوف يسهم في حال تطبيقه بالشكل الصحيح عبر دول الخليج، في إضافة أكثر من مليوني امرأة مؤهلة تأهيلا عاليا للقوة العاملة، بالإضافة إلى إمكانية المساهمة بنسبة 30% (363 مليار دولار) في إجمالي الناتج المحلي الخليجي (1210 مليارات دولار). وأظهرت الأرقام أنه على الرغم من أن الإناث يمثلن 48% من تعداد السكان في دول الخليج، فإن نسبة مشاركة المرأة في القوة العاملة عبر دول الخليج أقل من 20%. يأتي ذلك في الوقت الذي أفصحت السعودية رسمياً عن ثلاثة قرارات تنظيمية لعمل النساء في البلاد، في سياق الجهود الحكومية لزيادة فرص ومجالات عمل المرأة السعودية. وتضمنت القرارات الثلاثة حظراًَ لأي تمييز في الأجور بين العاملين والعاملات عن العمل ذي القيمة المتساوية، كما حددت القرارات ضوابط عمل المرأة في محال بيع المستلزمات النسائية، واشتراطات عملها في المصانع "ابتداءً بمصانع الأدوية"، وآلية احتساب عمل المرأة من بعد في نسب توطين الوظائف (السعودة)، كما حظرت ذات القرارات توظيفها في 24 مهنة، التزاماً بالمعايير الدولية لعمل المرأة التي تمنع عملها في تلك المهن، منعاً لتعرضها للخطر. وشدد وزير العمل المهندس عادل فقيه على أن وزارته وحدها هي جهة الاختصاص بتطبيق قرارات تأنيث الوظائف، إلا أنه أكد حرص الوزارة على التعاون مع جميع الجهات المعنية، والاستفادة من أية ملاحظات أو مخالفات ترصدها جهات أخرى، مثل البلديات، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأكد أن وزارته لم تضع حداً أدنى لأجور النساء العاملات في القطاع الخاص، مشيراً إلى أن السوق هو الذي يحدد مقدار تلك الأجور، كما أكد أن تحديد مواعيد عمل المرأة في محال بيع التجزئة يعود للتنسيق بين البلديات وإمارات المناطق، حسب ظروف كل منطقة. وكشف فقيه أن أعداد النساء السعوديات طالبات العمل يفوق الأعداد المطلوبة بكثير في محال بيع المستلزمات النسائية، وذلك من واقع الإحصائيات التي سجلها برنامج حافز عن الباحثات عن العمل. وأضاف "نحن لا نغير فهمنا لعاداتنا وتقاليدنا، والمرأة لها الحق في العمل، ويجب أن نضع الضوابط الصحيحة التي تحميها وتحمي أفراد المجتمع من الخطأ، بتوفير الأجواء الصحية والسليمة التي لا تسمح بوقوعه، مع منع الخلوة بين الرجل والمرأة في العمل". وفيما يتعلق بتنظيم العمل عن بعد، قال الوزير "وضعنا التنظيمات الخاصة لعمل المرأة عن بعد، والتي تشمل أعمال التصميم، والعمل من المنزل، وأعمال أخرى عديدة يمكن إنجازها عن بعد، واعترفنا بهذا النوع من الوظائف، واحتسبناه في مشروع نطاقات لتشجيع عمل المرأة". وتنسجم توجهات وزارة العمل مع تقرير متخصص أصدرته كلية الأعمال البريطانية "كاس بيزنس سكوول" بعنوان "تعزيز مشاركة المرأة في القوة العاملة الخليجية"، متضمناً مجموعة من النتائج المهمة التي توصل إليها بالنسبة لاقتصادات دول الخليج. ووفقاً لتقرير مؤسسة الاستشارات «أكسفورد استراتيجيك كونسالتينغ» الذي أعده أكاديميون بريطانيون وخليجيون، بما فيهم البروفيسور كريس رولي مدير مركز أبحاث الإدارة الآسيوية في «كاس بيزنس سكوول» بلندن، فإن مبادرات «العمل من المنزل» تعد الاستجابة العملية لإشراك المرأة الخليجية في القوى العاملة الوطنية، مما يسهم في دعم الاقتصادات المحلية وزيادة معدلات التوطين. وفي هذا السياق، اقر البروفيسور كريس رولي بأن الفجوة الكبيرة في توظيف المرأة في بعض البلدان الخليجية ليست ناجمة عن وجود فجوة في مستويات التعليم، لأنه في واقع الأمر قامت مختلف الحكومات الخليجية بتحسين وتيسير السبل للوصول إلى التعليم العالي، وستكون مبادرات ومشاريع العمل من المنزل منسجمة مع البرامج الحكومية لتمكين التنمية المستدامة لوظائف المرأة في الخليج، وتعد هذه البرامج من الأمور الأساسية الضرورية لاستيعاب المستويات المرتفعة من الخريجات المؤهلات من الجامعات الخليجية والجاهزات للاندماج في القوة العاملة والانخراط في سوق العمل. وتابع البروفيسور رولي قائلاً "لقد شكلت عملية توفير المزيد من فرص العمل والوظائف لمواطني دول الخليج هدفاً أساسياً في رؤى الحكومات للمستقبل، ويمكن دمج العمل من المنزل في الاقتصادات الخليجية بصورة ناجحة، الأمر الذي يؤدي إلى تحقيق مزايا اجتماعية واقتصادية من خلال زيادة توظيف النساء المواطنات، مما يمهد السبيل إلى النمو المستدام وتحقيق التكافؤ في الفرص بين الجنسين بما يتفق مع الاستراتيجيات الحالية للحكومات". وقال البروفيسور رولي في هذا الصدد: بالتأكيد انه يوجد أفراد يناسبهم نظام «العمل من المنزل» أفضل من غيرهم، فهؤلاء الأفراد على سبيل المثال يتميزون بتدبير وإدارة أمورهم بأنفسهم، والالتزام، والقدرة على العمل بمفردهم، فضلا عن حسن إدارتهم للوقت. كما تغيرت المواقف على المستوى العالمي لدرجة أن كلا الطرفين يجدان الآن في «العمل من المنزل» طريقة مقبولة للعمل، حيث يتفهم المديرون أنه يجب عليهم أن يثقوا في العاملين لديهم من المنزل، وبالمقابل يتفهم العاملون من المنزل أنه ينبغي عليهم أن يكونوا أهلا لهذه الثقة، وعند حسن ظن مديريهم بهم. وتناول التقرير أيضا الموضوع الآخر السائد الذي بدا مقلقا لأصحاب الشركات في ما يتعلق باستخدام خدمات العمل من المنزل، وهو النفقات. وأكد التقرير على أن نفقات تجهيز وإعداد موظف في المنزل عادة ما تكون أرخص من نفقات توسيع مكتب حالي، وتركيب أجهزة جديدة للسماح لموظفين داخليين بأداء نفس العمل، وسوف يتاح بالفعل لعديد من النساء اللاتي يستطعن العمل من المنزل إمكانية الربط بأجهزة الكمبيوتر وخطوط الهواتف، الأمر الذي يجعل التدريب هو التكلفة الرئيسية لإطلاق هذه المبادرة. وفي استطلاعات أولية عن مدى احتمالية نجاح تشغيل إحدى الشركات التي تقوم بتقديم خدمات العمل من المنزل من خلال توظيف مواطنات خليجيات، أظهر 85% من المشاركين ترحيبهم بفكرة تطبيق هذه الخدمة.