زيارة المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي لطهران لبحث الأزمة السورية مع المسؤولين الإيرانيين توضح ضعف الأممالمتحدة وسوء تقديراتها الدبلوماسية لإدارة الملف السوري، فبعد سحب الدعوة التي قدمتها لطهران لحضور جنيف 2 تحت ضغط من المعارضة السورية تعود لها ثانية لتعتذر لها بأسلوب مهني عن سحب الدعوة وتطلب مشاركتها الدبلوماسية لإنهاء الأزمة السورية، فهل هذا اعتراف من الأممالمتحدة بشرعية التدخل الإيراني العسكري في الأزمة السورية لصالح نظام الأسد؟ أم ان الأممالمتحدة قامت بتصفير الجهود السابقة وتريد أن تبدأ مفاوضاتها من نقطة بداية جديدة، وزيارة الإبراهيمي لطهران هي الخطوة الأولى لهذه الانطلاقة الجديدة. لا يمكن وصف تلك الزيارة إلا بالرضوخ للإرادة السياسية الإيرانية والتسليم التام بشرعية التدخل الإيراني السياسي بالأزمة السورية وقبوله كطرف يقرر صياغة الحل ويضمن التنفيذ، أما غير ذلك لن يكون هناك حل قابل للتنفيذ. الرؤية الحالية الإيرانية لحل الأزمة السورية تنطلق من الاعتبارات السياسية بعد أن حققت نجاحات عسكرية في الميدان، واستطاعت تحييد التدخلات العسكرية الأجنبية خاصة الأمريكية والأوربية، وقدمت نفسها لجميع الأطراف كشريك محتمل لإنهاء الأزمة السورية مع احتفاظها بصفة الحليف الاستراتيجي لنظام بشار الأسد.. رؤية طهران الجديدة تقدم الحل السياسي على كل اعتبارات بما فيها الاعتبارات الإنسانية، فبعد فشل الأممالمتحدة في جنيف 2 من إيجاد ممرات إنسانية لمساعدة الشعب السوري إنسانياً، عادت لطهران لتبحث معها عن حل سياسي وليس إنسانياً، وهذا ما تريده طهران التي قدمت مبادرة سياسية جديدة تنطلق من الواقع كما وصفها نائب وزير خارجيتها، والواقع بالنسبة لإيران جيش نظامي يدافع عن شعبه ضد جماعات إرهابية أجنبية، ولن تنجح جهود الأممالمتحدة في إنهاء الأزمة السورية إلا إذا انطلقت من هذا الاعتبار الذي يؤدي إلى انتخابات رئاسية تأتي ببشار الأسد رئيساً لفترة جديدة. بقاء بشار الأسد في الحكم لفترة جديدة مطلب إيراني، وإضافة استراتيجية لقوة إيران التفاوضية والعسكرية، ولن تتخلى طهران عن تلك الإضافة، فيمكن وصف تمسك طهران بنظام الأسد بتمسكها ببرنامجها النووي، تقبل شكلياً التفاوض حوله ولكن لا تقبل التخلي عنه، فكلاهما يمثل لها قوة حضور إقليمي ودولي، فهل هناك تحالف دولي مع طهران غير معلن لدعم حضورها في المنطقة، ليبدأ مع هذا الحضور بناء شكل جديد للمنطقة. وإلا كيف تفسر تصريحات بعض الدول الغربية في بداية الأزمة السورية بأن سقوط نظام الأسد يعني ضربة استراتيجية لطهران، وبعدها تعطل كل المبادرات العسكرية الأجنبية لإنهاء الأزمة السورية، مما يعطي إشارة واضحة جاءت من تلك الدول بان المحافظة على نظام بشار هو محافظة على قوة إيران وأمنها. الضعف الدولي في الأزمة السورية ليس ضعفاً بذاته ولكنه ضعف مقصود، يراد منه إعادة قراءة تلك الدول لمصالحها في المنطقة من اعتبارات جديدة تكون طهران هي البوابة التي تمر معها تلك المصالح، فعودة الأممالمتحدةلطهران هو عودة لاستثمار الضعف الدولي لصالح قوة طهران، فطهران لم تنجح في الأزمة السورية لأنها تريد أن تنجح، ولكنها نجحت لأنه يراد لها أن تنجح.