ترددت كثيراً في كتابة مقال كهذا ، من منطلق أن هذا شأن نصراوي ، وأنا لست نصراوياً للأسف ، وأقول للأسف ليس لأني حُرمت متعة كرة القدم بل لأني حُرمت الأجر الكبير الذي يناله النصراوي مقابل صبره وقدرة تحمله .. وإن كان مشجعوا الفريق الذي أميل له لهم نصيبهم من الأجر أيضاً إلا أنهم سريعوا اليأس ، فلم يعد يحضر منهم إلا قلة قليلة رغبتها في الثواب أكثر من تفاؤلها برؤية فريق كرة قدم حقيقي في الملعب ! أما النصراويون فهم حالة فريدة ، يعشقون ناديهم كوطن ، لاينظرون إليه كفريق سيحضرون إن فاز ويتركونه إن هو خسر أو تعثر ! ألوان ناديهم في قلوبهم كتقاسيم وجوه أحبتهم ، هي الأجمل حتى وإن عاث الزمن فيها وامتلأت بالتجاعيد ! حالة عشق وقف عندها الكثيرون وتمنتها فرق عانقت المنصات وفازت بالذهب لكنها لم تستطع رغم هذا أن تزيح غصة في القلب عنوانها : " ولكن كيف نفوز بجمهور كأولائك الذين فاز النصر بقلوبهم ! " سألت نفسي يوماً حين وقفت أصفق في مدرجات فريقي لهدف حاسم وقاتل سجله ماجد في مرمى الفريق الذي أشجعه بتعصب مبالغ فيه أحياناً ، كيف يشعر النصراويون إن كان هذا هو حالي وأنا الذي أتيت أتمنى هزيمتهم ؟! وإن كان عشق النصراويون لفريقهم شيء يشيء يحسد عليه فريقهم ويحسدون هم على حالتهم المتفردة فإنهم لايحسدون أبداً على إدرات تتابعت على النصر لم تعرف أي كنز يمتلكون ، وأي فريق يمكنهم أن يبنون ، وأي كيان يغنيهم عن تتبع الآخرين .. إن من يذبح النصر من الوريد للوريد ليس حكماً ولا لجنة ولا فريقاً يحظى بالدلال ، بل إن قاتلهم ووائد أحلامهم في مهدها والذي يأتهيم في كل مرة باسم مختلف هو نصراوي مثلهم ! قاتلوا أحلام النصر هم أولئك الذين يعتقدون أنهم أكبر من النصر ، أو أن وجودهم هو من سيشكل ألوان النصر كقوس قزح في وجه السماء ! الذي يجب أن يعرفه ويعيه أي رئيس للنصر أنه هو المستفيد ، وأن التاريخ لا يرحم ، وأن البطولات هي من سيجعل اسمه خالداً في ذاكرة جمهور لا يخلد في ذاكرته إلا العباقرة ، لن يذكر التاريخ عدد البيانات التي أصدرها الرئيس ، ولا كمية الردود " المسكته " التي أشغل الفضاء بها حين كانت زمام الأمور في يده ، هذه أمور تنسى ، وقد تعجب الناس مثل طرفة عابرة لكن ذاكرة التاريخ أضيق بكثير من أن تحتوي الأشياء الصغيرة أو المؤقتة ! أتخيل لو كنت رئيساً للنصر ما الذي كنت سأفعله ! تخيلوا مثلاً .. لو قرر هذا الرئيس المستقبلي أن يستقطع مبلغاً كتلك المبالغ التي دفعت على أنصاف اللاعبين الأجانب ثم قرر أن يصرف هذا المبلغ على كل من لديه حق لدى النصر ، منذ تأسيسه حتى الآن ، أكاد أجزم أن كل الحقوق التي يطالب بها من سبق أن كان في النصر من لاعبين وعاملين وأشخاص والتي تجاهلها كل من أداروه لا تتعدى قيمة العقد الذي دفع لبيتري أو رزفان .. تخيلوا ! تخيلوا مثلا .. لو قرر هذا المحظوظ أن يمد يده للجميع بلا استثناء ، أن تكون خدمة النصر هي نصره الحقيقي ، وليس انتصاره لنفسه ، أن يقبل كل الأفكار ويناقشها دون التفكير في أشخاص قائليها .. أتخيل مثلا .. ومن باب الترف الفكري غير المبرر خاصة في أوضاع كهذه أتخيل لو تم انشاء مركز كناد صحي وثقافي واجتماعي بمبلغ يقل كثيراً عن تلك التي دفعت لزنغا أو دراغان ويكون هذا المركز ملتقى لكل من عمل أو لعب في النصر على مر تاريخه ، سيكون أمر كهذا جميلاً وغير مسبوق ورسالة شكر وعرفان ، إضافة إلى أنه سيكون مكاناً تطبخ فيه الكثير من الأفكار التي ستكون دون شك في صالح الكيان الأصفر ! أتخيل مثلاً .. لو قرر هذا الرئيس " الوهمي " أن يجرب موسما أو اثنين دون الحديث عن أي شأن لا يخص النصر ، لو اقتنع أن قضيته الأولى هي ناديه فقط ، لو قررت إدراته أن جميع ردودها لن تكون إلا في الملعب ، وفي الملعب فقط ! لو حدث مثل هذا فإنه لن يكره هذا الرئيس أحد لشخصه ، كل من يكرهه سيكون ببساطة كارهاً للنصر ، لا أحد يحتاج لمجهود ذهني ليعرف هذا ! لاحظوا أنني لم أتكلم عن أية أفكار تخص لاعبين أو مدربين أو حاجات وقتيه في الفريق .. لو تحققت تلك التخيلات السهلة والبسيطة والممكنة والتي لا تحتاج إلا لنية سليمة ، لحلت المشاكل الفنية ، ولخُلقت الحلول .. الأمور الفنية في الغالب هي نتيجة وليست وسيلة ، النتائج الفنية وتحقيق البطولات هي نتائج العمل المنظم والمسؤول البعيد عن الشخصنة .. لو فعل رئيس مثل هذه الأمور لنام قرير العين مرتاح الضمير ، ولاستيقظ النصر كفجر دون أن يدعي عليه مظلوم في السحر ! . . دمتم في خير عبدالله القرني