من يشاهد الآلة الإعلامية الرياضية الضخمة في بلادنا يظن أننا أكثر الشعوب ممارسة للرياضة في العالم، فالقنوات الرياضية التي تبث برامجها على مدار اليوم دون انقطاع، أكثر من الهم على القلب، والصفحات والملاحق الرياضية في صحفنا اليومية تجاوز عددها المائة صفحة رياضية يوميا، هذا عدا كم كبير من المطبوعات الأسبوعية والشهرية والدورية والحولية، أما مواقع الإنترنت فلا يمكن عدها لكثرتها، حتى أصبحنا نستيقظ صباح كل يوم على افتتاح موقع جديد. ولكن هذا الظن يتبدد أمام حقائق الواقع الصادمة، وهي أننا أقل شعوب الأرض ممارسة للرياضة، وأننا برغم هوسنا وتعلقنا وافتتاننا بمشاهدة كرة القدم، إلا أننا معوقون رياضيا، وأننا نحتل موقعا متقدما في قائمة الشعوب الأكثر بدانة، وأن الأمراض المرتبطة بقلة ممارسة الرياضة تنتشر في مجتمعنا انتشار النار في الهشيم. وتعجب أشد العجب أن غالبيتنا ممن لا يكفون عن الحديث عن كرة القدم وأخبار نجومها وتطورات مسابقاتها، لا يجيدون ولا يمارسون أية لعبة رياضية على الإطلاق، بل إنهم حتى لا يمارسون رياضة المشي، هذا كله يؤكد أننا شعب غير رياضي، وأننا لسنا إلا شعبا متطفلا على الرياضة من بوابة الفرجة. وابتعادنا عن ممارسة أي نوع من الرياضة يكشف سر افتقارنا لما يسمى (الروح الرياضية) وكيف أننا استبدلناها بالتعصب والاحتقان والتوتر، وهنا لا بد من ضرب مثال صغير له دلالات كبيرة، فعقب المباريات يظهر اللاعبون (الممارسون للرياضة) على الفضائيات بروح رياضية، فالفائزون يشيدون بالفريق الخاسر، والخاسرون يثنون على الفريق الفائز ويقرون بأهليته وجدارته في الفوز ويتحدثون بروح رياضية عالية تؤكد تقبلهم للخسارة، في الوقت الذي يخرج فيه الإداريون وجمهور الفريق الخاسر على درجة بالغة من التوتر والاحتقان والسخط، يوزعون الاتهامات والانتقادات، وهذه المشاهد التي تتكرر عقب كل مباراة تؤكد حقيقة أن من لا يمارس الرياضة لا يعرف المعنى الحقيقي للروح الرياضية، وأن الرياضي بالممارسة لا بالفرجة هو الشخص الأكثر قدرة على ضبط أعصابه، والأكثر قدرة على التعاطي مع حالات الفوز والخسارة. أريد أن أخلص من كل هذا للقول بأن ممارسة الرياضة وسيلة فعالة وناجحة لنبذ التعصب والقضاء على الكثير من المظاهر السلبية في وسطنا الرياضي، ولهذا أرى أن على الرئاسة العامة لرعاية الشباب أن توفر أوسع الفرص أمام الجمهور الرياضي لممارسة أي نوع من الأنشطة الرياضية، وهذا لا يتحقق بالتمنيات أو بواسطة البرامج التقليدية التي جربت لسنوات طويلة وثبت فشلها، يجب أن تبحث عن أفكار مبتكرة وخلاقة، ولا بأس في نقل تجارب شعوب أخرى نجحت في أن تجعل الرياضة جزءا أساسيا من برنامجها اليومي.