يضع القادة الأوروبيون الذين يجتمعون في بروكسل على مستوى قمة استثنائية غير رسمية اللمسات الأخيرة على حزمة من ضوابط الحوكمة المالية تتضح فيها بصمات ألمانيا بشكل أكثر فعالية على الدول الأعضاء في منطقة اليورو لحملها على الوفاء بالتزاماتها بصرامة تامة في مجال التحكم في الموازنات الحكومية. ويناقش زعماء الاتحاد وسط تنافر فعلي بين دولهم مقترحا محددا لاعتماد اتفاقية مالية إضافية ستدخل حيز التنفيذ في وقت لاحق من العام الجاري وتتضمن بنودا صارمة للحد من العجز العام والنفقات الحكومية في جميع الدول الأعضاء بالاتحاد. وتنص الاتفاقية الجديدة التي سيتم الاكتفاء بموافقة اثنتي عشرة دولة فقط لدخولها حيز التنفيذ على الحد من العجز العام بنسبة لا تتجاوز خمسة فاصل عشرة في المائة من صافي الدخل العام لكل دولة. وطالبت ألمانيا بهذا الالتزام الصريح من قبل دول منطقة اليورو قبل المضي قدما في إبداء تضامن مالي مباشر مع الدول المتعثرة التي لا تزال بحاجة ماسة إلى مبالغ طائلة لإدارة ديونها العامة. ولكن هذا التوجه المعلن في بروكسل تقابله عدة ردود فعل سلبية وآراء مشككة في جدواه, إذ يرى محللون ماليون أن تشديد ضوابط الحوكمة المالية في منطقة اليورو سيزيد من تراجع القدرات التنافسية ويضر بسوق العمل وهما الآفتين الرئيسيتين اللتين تواجهان منطقة اليورو. وأمام هذه المقاربة يعكف زعماء الاتحاد الأوروبي على جرد سلسلة من الخيارات لحفز النمو وإنعاش سوق العمل وتكريس مبالغ مالية لإرساء مشاريع من شأنها إعادة العجلة الاقتصادية للدوران بشكل ايجابي. وتبحث القمة كذلك تعزيز قدرات صندوق الإنقاذ المالي الأوروبي من جهة وتمكين المصرف المركزي الأوروبي من الاستمرار في آلية دعمه غير المباشر للاقتصاد الأوروبي, ولكن ورغم هذه التحركات المتعددة الاتجاهات فان أزمة ديون اليونان تلقي بضلالها بشكل كبير على قمة بروكسل بعد صدور مؤشرات من ألمانيا بوجود رغبة بجعل اليونان تحت وصاية أوروبية مباشرة للتحكم في حساباتها المالية وهو الأمر الذي رفضته أثينا بشكل قاطع كما أن آليات الخروج من الأزمة تبدو متباينة بين الأطراف الرئيسة في الاتحاد الأوروبي حيث تدعو بريطانيا إلى مزيد من التوجهات الليبرالية لحفز النمو فيما تطالب فرنسا بتنسيق ضريبي أفضل بين الدول الأعضاء أما ألمانيا فانها تضل متشبثة بفرض الصرامة التامة في مجال الحوكمة المالية. وفي سعي واضح لتشكيل جبهة مشتركة قبل انطلاق القمة عقد زعماء فرنسيا وألمانيا وايطاليا لقاء خاصا في بروكسل لتنسيق مواقف دولهم ومواجهة التردد البريطاني بهذا الصدد تحديدا. // انتهى //