منذ أن فرض الله الحج على المسلمين في السنوات الأولى من الهجرة وقلوبهم مشدودة إلى بيت الله العتيق، لتأتيه من كل فج عميق ، فظلت الركبان تفد إلى مكة عبر دروب مختلفة ومن أقطار شتى. ونشأت من طرق الحج منافع متنوعة، منها الدينية ، والثقافية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، والعمرانية ، وما فيها من وقائع تاريخية من هجرات في صورة فردية أو جماعية، نقلت عبر هذه الطرق الكتب، والأموال , والصناعات ، إلى جانب العادات والتقاليد ، والثقافات، والأفكار، والمهارات، بالإضافة إلى الأثر البالغ في صياغة مجتمعات إسلامية متلاحمة الأواصر ، متقاربة العادات والتقاليد برغم تباعد ديارها واختلاف لهجاتها وأعراقها، ترى ذلك في تشابه بعض العادات والملابس والأدوات التي كان الحج مصدراً لتقاربها . ولقد مر أكثر من أربعة عشر قرناً على هذه الحركة السنوية عبر طرق الحج في الإسلام، ونشأت عن ذلك وقائع تاريخية كثيرة، وتكونت علاقات بين الأفراد والشعوب لا تحصى، وأثمرت هذه العلاقات نتائج عديدة ومفيدة على طول طرق الحج. وكان المسلمون يتحملون جميع أنواع المصاعب في السفر من أقاصي الدنيا إلى بيت الله الحرام في كل عام، تحت ظلال الشراع في البحر وعلى ظهور الإبل في البر، ومنهم من يختار المشي على الأقدام ويتمثل قوله تعالى (( يأتوك رجالاً )). واهتم الخلفاء بطرق الحج ، ودليل ذلك ظهور وظيفة أمير الحج الذي يقوم برعاية الحجاج ,ومن مظاهر اهتمام الخلفاء بطرق الحج ، أنهم أقاموا محطات على الطرق ، وحددوا المسافات بين المحطات ، ففي عهد الخليفة عمر بن الخطاب ( 13 - 23 ه / 634 - 644 م ) بذلت عناية خاصة بالطريق ما بين المدينةالمنورة و مكةالمكرمة , فاهتم الخليفة عمر بن الخطاب بإنشاء الاستراحات والنزل في المدينةالمنورة , ليتمكن الحجاج والمارة من النزول بها خلال سفرهم . // يتبع //