أقيمت مساء اليوم على أرض معرض جدة الدولي الثالث للكتاب ورشة بعنوان "كتابة الرواية الأولى"، ضمن فعاليات المعرض حيث كشف الناقد الدكتور حسن النعمي الحدود الفاصلة بين السرد والشعر والرواية والتاريخ والسيرة الذاتية . وتناول في ورشة عمل معرض جدة "عن الرواية الأولى" إخفاقات بعض الروائيين في السرد والوقوع في خلل التصاعد الدرامي بسبب تعدد الحبكات الثانوية , وقال : مجتمعنا جنى على الأطفال بالقصص غير المفيدة ، بما تمرره من أفكار تقتل في داخله روح الإبداع، وتبلد مشاعره"، مشيرا إلى أن السرد فن مواز للواقع، وأن الفنون مصدر الهام للصناعات والمخترعات، وعدّ الواقع اعتباطيا مقابل النص الروائي بما يمثله من حقيقة فنية , مبيناً أن العلاقة بين السرد والواقع علاقة تجاذب وصراع ، وأن الكتابة لإرضاء إيديولوجيا تدمير للنص . ولفت النعمي النظر إلى أن السرد لا يعكس الواقع، بل أن السارد سيد الواقع في بناء الفكرة دون مطابقة، عبر الأفكار البسيطة التي هي أهم من الكبيرة ، مضيفا أن للمرويات خصوبة قائمة على الفن بينما يراها المؤرخ أكاذيب ، وقدم نموذج لهيكلة السرد وكيف أن الوصف والحبكات والحوار ورسم الشخصيات والحدث ومبرراته مكملات للجسد البنائي ، وتناول الأبعاد النفسية والجمالية للقراءة الواعية والمتعة الفنية، موضحا أن دافع بعض القراء التطفل على حياة الآخرين الخاصة جدا. ووصف الدكتور النعمي أن بعض إشكاليات السرد تمثلت في اعتقاد البعض أن النثر سرد، حتى أنقذ المغاربة الموقف بالمصطلح السردي ، ولفت إلى أن الشعر حظي بأفضلية النوع على السرد، ما تسبب في إعادة تأسيس المنظور الثقافي والنقدي وفقا لهذه المعادلة ، محملاً مقولة "الشعر ديوان العرب" مسئولية تكريس مبدأ أفضلية الشعر على حساب السرد. وأن الإشكالية ليست بين النوعين، فتجاورهما حتمية تاريخية لا تقبل الجدل . ونوه بأن المعطيات الثقافية تشير إلى أن نزعة الانتصار للشعر كانت جناية على السرد , مضيفاً بأن القراءة السياقية التي تربط بين النص وكاتبه يلغي الكثير من التفاعلات الحيوية مع الإبداع . وتناول مسألة انصراف العرب عن السرد رغم انتصار القرآن للقصة، مشيرا بالقول إلى أن أمر الانصراف النقدي والفكري عن الاهتمام بالسرد في تراثنا، والانحياز إلى الشعر دراسة وفن من أعقد المشكلات التي يمكن الخوض فيها لتداخل الأسباب وتعددها إذ في المسار الديني، ظهرت خطورة القص في لحظة بدء جمع الحديث الشريف؛ الذي تزامن مع تكاثر القصاص في العصر الأموي ، وأوائل العصر العباسي، في ظل تنامي الوعاظ والمذكِرين الذين كانوا يستخدمون القصص في الترغيب والترهيب بأحاديث موضوعة في الغالب ، مما حمل الخلفاء والفقهاء على التصدي للظاهرة .