تناولنا في محور سابق نشر بتاريخ 17/5/1425ه في الملحق الثقافي العلاقة بين النقد والسرد وأنه يكتنفها الكثير من الغموض والكثير من التوتر، إذ أنها علاقة جدلية لم تستقم لها شروط التواصل الفعلي. واستضفنا في ذلك المحور مجموعة من النقاد والأكاديميين من ضمنهم الدكتور حسين المناصرة الذي كان له رأي مختلف نوعاً ما إذ رأى أن الثقافة النقدية في مجال السرد تكاد تكون محدودة جداً قياساً على ما قد يكون لدى النقاد من نقد مدرسي في الشعر. كما أحال السبب الآخر إلى أن الرواية تحتاج إلى وقت حتى تقرأ فقد تستغرق قراءة لرواية واحدة شهراً لذلك يستسهل النقاد قراءة الشعر...، كما يرى أن الناقد السعودي كسول ولا يتابع المنتج السردي لأن ذلك يحتاج إلى وقت... وهنا بعض الآراء حول ما ورد في المحور، وحول رأي الدكتور المناصرة، وبداية يتناول الناقد ورئيس جماعة حوار بجدة الدكتور حسن النعمي الموضوع من زاوية النشاطات السردية ويقول إن المنتج الروائي آخذ في التزايد، وهو أمر يفترض أن تواكبه حركة نقدية منظمة، غير أن الإشكالية تكمن في أن أغلب النتاج النقدي هو فردي، وغير منهجي يتناول الأعمال كما تروق للناقد. غير أن المتابع للحركة النقدية يلحظ أن هناك جهداً مؤسساتياً سعى إلى تقدير رؤى نقدية، فهناك ندوة (الرواية بوصفها الأقوى حضوراً) التي نظمها نادي القصيم الأدبي، وجهد نادي القصة بجدة حول قراءة رواية التسعينات وما بعدها، وجهد جماعة (حوار) بجدة هذا العام في قراءة خطاب السرد في رواية المرأة، مضيفاً إن هذا مؤشر على أن هناك توجهاً لنقد الرواية وإعادة قراءتها من جهة الخطاب، ومن جهة التشكيل الفني. وبالتأكيد فإن بعض هذه الكتابات إسهامات لنقاد متخصصين يمتلكون كامل القدرة على الإفصاح عما يجدونه في هذه الأعمال، فالقول بعدم امتلاك الجرأة مسألة نسبية، كما أن الحقيقة نفسها نسبية، فيصبح التساؤل عن جرأة الناقد في قول الحقيقة أمراً نسبياً لا يمكن إطلاقه بصورة عامة. ويتحدث النعمي عن عزوف الناقد بقوله إنه نسبي أيضاً، فهو له أسباب أخرى لا علاقة لها بمواجهة تفاصيل الأعمال الروائية، فالعمل الأدبي ليس بتفاصيله، بل بكيانه وحضوره داخل وسط اجتماعي معين. ويضيف قائلاً إن التفاصيل التي أشار إليها السؤال هي التفاصيل في المضمون وقراءة المضمون في بعض جوانبه هي قراءة خطاب قد لا يجيده بعض النقاد. إن مستوى الرواية بشكل عام رغم تقدمه لا يزال غير مقنع في قدرته على تقديم الكتابة التي تؤسس واقعاً موازياً يكشف الرغبة في تقديم ما ينبغي أن يكون، فما زالت كثير من الكتابات (نستالجية) مفرطة في تفاصيل الماضي المفقود دون مساءلة الواقع المعاش. وعن انشغالات الناقد يقول النعمي إنها واردة في كل منحى من مناحي الحياة وهي تعود لضرورات العيش، والنقاد جزء من تكوين هذا المجتمع المادي الذي تحولت قيمه إلى قيم استهلاكية تفرض نمطاً من الحياة الذي يجب مراعاته ومواجهة متطلباته. ويخلص النعمي إلى القول: لا يجب أن تتحول رغبتنا في قراءة الرواية إلى مجرد قراءة استهلاكية، وبالتالي كتابة استهلاكية. إن ما نبحث عنه هو كتابة منهجية تأخذ وقتاً طويلاً لتبقى طويلاً. أما الكتابة الصحفية السريعة عن الرواية فليست طموح الساحة الثقافية، فلا يعتمد عليها كمرجع ولا تؤسس لاتجاهات روائية، بل لإشباع الفضول الصحفي والإعلامي للكتاب والنقاد على السواء. أما الدكتور عالي القرشي فقال: لا بد لنا من الأخذ في الاعتبار عدة أمور: 1/ إن هذه الأطروحة قد لا تكون متابعة بطريقة استقصائية لجميع ما كتب عن المنجز السردي وذلك لأن المنجز السردي قد حظي بكثير من المتابعات والدراسات التحليلية والأكاديمية لعلمي أن هناك عدداً من الرسائل في الماجستير والدكتوراة أعدت حول المنجز السردي. كما عقدت بعض الملتقيات للمؤسسات الثقافية حول المنجز السردي في نادي الطائف عام 1417ه وفي نادي القصيم عام 1424ه وآخرها في جمعية الثقافة والفنون بجدة. 2/ إن متابعة المنجز السردي ليست هم النقاد فقط وقد يكون ذلك من مسئولية المفكرين والباحثين الاجتماعيين وقارئي الخطاب الثقافي. 3/ لا بد في هذا المجال أن نتذكر أن العمل السردي منفتح على أصوات متعددة داخل كل نص ومتابعة هذه الأصوات ومحاورتها قد يقتضيان جهداً لا يقتضي جهد الناظر في قصة أو قصيدة شعرية. ويتفق الناقد ناصر الجاسم مع ما ذهب إليه المناصرة من أن ما هو مطروح من متابعة نقدية للمنتج السردي إنما هو متابعة صحفية ونقد صحافي إلا أنه يرى أن النقد الصحفي قد يكون له دوره في إثراء الحركة الثقافية في مجال الإبداع عموماً على الرغم من أن النقاد الأكاديميين يرمون النقد الصحافي بالضعف. ويعود الجاسم ليشخص الوضع استناداً إلى ما قاله المناصرة وما طرح في المحور ويقول هناك غياب في كل الأجناس وليس في الرواية فقط، وهذا يرجع بحسب الجاسم إلى عدة أمور أهمها: أن هناك فجوة بين المبدع والناقد سببها كسل الناقد وتعالي المبدع، كما أن هناك فجوة أخرى أحدثتها الرقابة التي أوجدتها وزارة الإعلام على المصنفات السردية إذ أفرغت من المفردات الكبرى للحياة. وصنف الجاسم النقاد في هذه القضية إلى نوعين هما الأكاديميون الذين أتوا من الخارج، والنوع الآخر الذين درسوا في الداخل، فمن درس في الخارج أصبح مضطراً لنقد المنتج الغربي أو العربي كونه صالحاً للأدوات التي درسها وأجادها وأهمل منجز بلاده لعدم توافقه مع معطياته النقدية. أما الأكاديميون الذين درسوا في الداخل فقد عملوا على التعامل مع النص المحلي رغم عدم التأهيل الكافي من قبل المؤسسات الجامعية فصارت مراجعهم كتب النقد المغاربي المترجم عن الفرنسية خاصة، مما أوجد نوعاً من التصادم بين النقاد الذين درسوا في الخارج حيث اتهموا نقاد الداخل بعدم الفهم وتحميل النصوص ما لا تحتمل واستخدام المصطلحات في غير مكانها بدون وعي بما تعنيه، مما اوجد عداءً نفسياً بين الفريقين. ويضيف لهذين الفريقين فريق ثالث هو النقد الصحفي الذي يقدم الشيء الكثير ويحرك الساكن ولكن جهده يظل محتقراً من قبل النقاد الأكاديميين بدعوى عدم التخصص وعدم امتلاك سلطة المعرفة مما حدا بالنقاد الصحفيين إلى نعت نقاد الخارج بأنهم مصابون بالغرور المعرفي، هذه الفوضى في التقسيم وفي إطلاق النعوت شغلت النقاد بأنفسهم وصرفتهم عن نقد المنتج المحلي. ويختتم الجاسم مداخلته بالقول إن المؤسسات الأدبية والمراكز العلمية كالجامعات لا تخصص ورشاً نقدية داخل أروقتها لكي تفرز الناقد الجاد من الناقد المدعي، وذلك من أجل ايجاد روح نقدية تتابع المنجز المحلي وتستوفيه من ناحية الدراسة والقراءة النقدية، ولكي يتم التثبت من خلال حكم القراء والأدباء أيهما أجدى وأنفع.. النقد الأكاديمي أم الصحافي.؟! ويقترح الجاسم ومن أجل مواكبة النقد للمنجز السردي والإبداعي عموماً إلزام المؤسسات العلمية والأدبية منسوبيها بنقد المنتج المحلي ضمن برنامج زمني محدد وصارم. د. حسن النعمي د.عالي القرشي