عام / خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي/ إضافة أولى وأردف إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ أسامة الخياط يقول : وفي إطار التَّخطيط النَّبويِّ للإخاء الإسلامي أيضاً: نَلْحَظُ النَّدْبَ للتَّضحيَةِ بالرَّاحةِ وكلِّ محبوبٍ للنفس في سبيلِ قضاء حاجة المسلم، والسَّعي الحثيث لتفريج كُربته، مُلَوِّحًا بالوعد الكريم بالجزاء الضَّافي، مقابلةً للإحسان بالإحسان الذي هو في الذِّرْوَةِ من أيِّ جزاء، وذلك هو الرعاية الإلهيَّةُ، والمعونة الربَّانيَّةُ تصحَبُ مَنْ يبسُطُ جَناحَ رحمتِهِ على أخيه المسلمِ ما دامَ في حاجةٍ إلى بسط جناحه عليه، برِفدِه وكَفالتِهِ في قضاء حوائجه، أو تفريج كُربته، وإغاثةِ لهفته، أو ضمِّ صوتِه إليه في المطالبة بحقِّه ويتأكَّدُ ذلك في حق أرباب الجاه والمنزلة والمكانة؛ إذ بهم -بعد الله تعالى- تُقضى الحوائج، وتَنجابُ ظُلَم المحن، وترتفع البأساءُ والضرَّاءُ، وللجاهِ زكاةٌ كزكاة المال، لا مَنْدُوحةَ عن أدائها، والإخلاص لله فيها، حذرًا من تبدُّل الحال، وزوال النعمة؛ فإنَّ اللهَ أغيرُ على نِعَمه من أنْ يَدَعها بيد من لا يقوم بحقِّه فيها، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الطبراني في الكبير، بإسنادٍ حسنٍ عن عبد الله بن عمر - رضِيَ اللهُ عنهما- أنَّ رسولَ اللهِ-صلى الله عليه وسلم - قال: إنَّ للهِ تعالى أقوامًا يختصُّهم بالنِّعم لمنافع العباد، ويُقِرُّها فيهم ما بذلوها؛ فإذا منعوها نزعها منهم، فحوَّلها إلى غيرهم . وأوضح الشيخ أسامة الخياط أنَّ اللهَ تعالى جعل رابطة المؤمنين على أساس العقيدة والأخوة في الله، فأخبر عن ذلك المعنى بقوله ( إنما المؤمنون إخوة فاصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) ، وهو إخبارٌ منه بما يجبُ أنْ يكونَ واقعًا ملموسًا، وقال فضيلته : لا مجالَ لجعله كلامًا وأمانيَّ لا حقيقةَ لها؛ لأنَّ المؤمنين حين آمنوا بربِّهم، وصدَّقوا برسوله وبما جاءهم من عنده، توحَّدَتْ وِجهتُهم، واجتمعَتْ قلوبُهم، ولا تنافُرَ بين قلوبٍ اجتمعت على إيمانٍ بالله، وعمَرَها حُبٌّ شديدٌ لله، ولرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّ الإيمانَ قوَّةٌ جاذبةٌ تبعَثُ أهلَها على التعاطُفِ والتقارُب وهو التآلفُ وكانَ هذا التَّآلُفُ القائمُ على العقيدةِ والأُخُوَّةِ في اللَّه جديرًا بهذا المَثَل النَّبويِّ العظيمِ الواردِ في قوله-عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: مَثَلُ المؤمنينَ في توادِّهِمْ وتراحُمِهم وتعاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الجَسَدِ إذَا اشتكى منهُ عضوٌ تَداعى له سائرُ الجِسَد بالسَّهَرِ والحُمَّى أخرجه مسلمٌ في صحيحه ؛ وإنَّ هذا التوادَّ والتراحُمَ ليغرِسُ في نفس المسلم الشُّعورَ بالمسؤوليَّة نحوَ مجتمعه وأمَّته، وهو شعورٌ يُشكِّلُ دائرةً تترابطُ فيها الحلَقَاتُ، كلُّ حلْقةٍ منها تُمثِّلُ مصلحةً عامَّةً للمسلمينَ، ومن واجب المسلم أن يُسهِمَ فيها بحسَبه؛ ليدُلَّ بذلك على أنَّه عضوٌ عاملٌ في هذا المجتمع، وحصنٌ حصينٌ دونَه، لا يُؤتى المسلمونَ من قِبَله، وإنَّ هذا الشُّعورَ بالمسؤوليَّة لا يكفي فيه إبداءُ المشاعر الطيِّبةِ، دونَ اتِّخاذ خطواتٍ إيجابيَّةٍ تُعبِّرُ عن الشُّعور بالمسؤوليَّة والاهتمام بأمر المسلمين . وأكد إمام و خطيب المسجد الحرام أنه إذا سار المسلمونَ على الدَّرْبِ وأخذوا بما أخذ به السَّلَفُ من وسائل الشَّدِّ على الأواصر، ورَبْط الأخِ بأخيه، برابطة الحبِّ في الله، وهَجر كلِّ شعارٍ أو نداءٍ أو تحزُّبٍ وضع الإسلامُ من شأنه؛ عندئذٍ تبلغ الأمَّةُ ما تُريد من خيرٍ، وتتبوَّأ المكانة اللائقة بها تحت الشَّمس، أمَّةً من حقِّها أن تسودَ، وأنْ تقودَ، لا بالحديد والنَّار، ولا بالقهر والإرهاب، بل بدعوتها السَّامِيَة، وعقيدتها الصَّافية، ومُثُلها الرَّفيعة. // يتبع // 13:51ت م www.spa.gov.sa/1626861