إذا أضعت الطريق في زحمة الرياض المعتادة وشاهدت أمامك أشخاصا يلاحقون سيارات مليئة أثاثا أو أواني منزلية وكهربائية أو غيرها من الأدوات فاعلم تماما أنك في جنوبالرياض، وتحديدا في «حراج بن قاسم». هؤلاء الذين يلاحقونك هم «المحرجون» الذين يقضون ثلاثة أرباع يومهم في الحراج ينتظرون في حرارة الشمس سيارة محملة بالأدوات المنزلية أو الأثاث أو غيرها من الأدوات التي يحرج عليها. محرر «شمس» تقمص شخصية محرج طوال يوم كامل مع هؤلاء المحرجين، ووقف معهم يحرج على عدد من الأدوات المنزلية واقتحم أسرار مهنة التحريج وكيفية التعامل مع الزبائن وأصحاب العفش. كعادة أبناء المهنة الواحدة، كان هناك عدد من المواقف التي مررت بها وأنا في طريقي إلى المكان المخصص للتحريج، حيث واجهت عددا من المحرجين المعتادين على بعضهم، ورفضوا وجودي بينهم إلا بعد أن يسمح لي كبير المحرجين في الحراج، فما كان مني إلا أن استأذنت كبير المحرجين الذي أعطاني الضوء الأخضر، مكتفيا بقوله «الله يرزقك»، ويبدو أن الحظ وقف معي واستطعت أن أقف على أول السيارات التي يرغب صاحبها في التحريج على العفش، واستطعت أن أحصل على 30 ريالا مقابل التحريج على العفش. غيرة وحسد بعد أن حصلت على ما أريده في المرة الأولى بالتحريج على إحدى السيارات المليئة بالعفش، اصطدمت في هذه المرة بهجوم شنيع من قبل المحرجين بعد أن ترجلت نحو سيارة أخرى لأحرج عليها في غضون نصف ساعة، وقالوا بالحرف الواحد «لا تكون طماع»، إلا أنني أصررت على تحديهم وتحصلت على 20 ريالا، بعد ذلك توجهت إلى مكان آخر في محاولة لكشف ما تبقي من أسرار. فوضى واستغلال وضح أن الفوضى الكبيرة التي يمر بها الحراج، أدت إلى إشاعة أجواء من الاستغلالية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فهذه قطع متراكمة من الأجهزة الكهربائية والأثاث والأواني المنزلية المستحدمة تباع بأسلوب بعيد كل البعد عن الأمانة والنزاهة والصدق والتي تعتبر من سمات البيع والشراء، إلا أن هؤلاء الباعة لا يكترثون بالزبائن ولا بمن يبيعون لهم في ظل اللهفة للكسب المادي فقط. وعلى الرغم من وضع أماكن خاصة «بسطات» إلا أن العشوائية هي العنوان الأبرز للحراج، وكأنه ليس حراجا إذا لم يكن هناك تكدس للبسطات والباعة على الأرصفة، بل أحيانا في الممرات الخاصة بالمشاة، ما يجعل العبور صعبا للغاية، إضافة إلى الاختناق المروري الذي يحدث من جراء هذه العشوائية التي طالما سببت كثيرا من المشكلات لمرتادي الحراج والمارة. بيت من قماش تفاديا لأشعة الشمس المحرقة وللاسترخاء بعض الوقت عند هدوء الحراج في أوقات الظهيرة، صنع بعضهم لأنفسهم غرفا مصغرة بجانب بضاعتهم يسترخون فيها، ويغفون لبعض الوقت، ليستعيد أحدهم نشاطه وقت الذروة وهو بعد صلاة العصر، مكتفيا في الوقت نفسه بالأكل الخفيف والشاي المعد مسبقا في منزله قبل حضوره إلى بسطته، كما أن البعض الآخر يصطحب معه العاطلين إما من أقاربه أو جيرانه للعمل معه ويعطيهم القليل مما يتحصل عليه نهاية اليوم. تذمر واستياء كثير من المحرجين والبائعين في حراج بن قاسم أبدوا تذمرهم الشديد من عدم تخصيص أماكن للتحريج بدلا من الوقوف في الشوارع وتعطيل الحركة المرورية، مطالبين في الوقت نفسه بعمل أماكن خاصة بهم حتى لو تستأجر، متمنين أن يتقبل المجتمع عملهم كمحرجين. الحراج سوق البسطاء من خلال عملي محرجا، اتضح أن أغلب العاملين والمحرجين في الحراج وكذلك أغلب المتسوقين المعتادين الذهاب إلى هناك، هم من الطبقة الكادحة التي تتسم بالبساطة والتواضع، إضافة إلى الفقراء، وكان كل ذلك على ألسنة المحرجين والمتسوقين في الحراج بعد أن سألتهم عن طبيعة مرتادي «حراج بن قاسم». عمالة سائبة تخوف كثير من المحرجين والباعة من ظهور صور عدد من الأيدي العاملة التي يتوقع أن تكون سائبة تعمل في الخفاء عند هؤلاء المحرجين دون علم كفلائهم، ولهذا أصروا على عدم ظهور صورهم، مؤكدين أنهم يعملون للكسب الحلال بغض النظر عن أمور أخرى. مشاهدات من الحراج: - كان شخص يراقب من بعيد ما يدور من حديث بيني وبين المحرجين، مبديا تذمره من وجود الصحافة في هذا المكان. - ذكر أحد المتسوقين في الحراج أنه يعتبر حضوره إلى الحراج مجرد قضاء وقت فراغ ليس إلا، ولا يعنيه ما يحدث داخله من مشكلات أو ما يعرض فيه من أدوات. - وجدت بعض الأدوات المنزلية القديمة جدا متراكمة على بعضها بشكل مقزز. - أكد أحد المحرجين، فضل عدم ذكر اسمه، أن الحراج لا يكاد يخلو يوميا من مشكلة أو صدام بين المحرجين والباعة أو الزبائن. - تمنى المحرجون ألا تأتيهم البلدية بعد زيارتنا لهم مؤكدين أنه في كل مرة تأتي الصحافة إلى الحراج تتبعهم البلدية بوقت قصير لا يتعدى يومين .