أقلعت الطائرة المتجهة من مطار هيثرو إلى جدة وارتفع صوت أزيز محركاتها وأطلقت عنانها إلى السماء، كان بجواري رجل في منتصف الخمسينات ذو ملامح بريطانية واضحة، وبعد شرب العصير تبادلنا الحديث ومن الطبيعي أن أساله ماذا تعمل؟ وما سبب زيارتك للسعودية؟ وكانت الإجابة التي أدهشتني وأسعدتني؛ فالرجل كان المدير التنفيذي لإحدى كبرى الشركات البريطانية، وهو قادم للسعودية لوجود قضية تخص شركته ضد إحدى الشركات الصينية، فسألته كيف تقاضي شركة بريطانية شركة صينية في السعودية؟ فأجابني: ألا تعلم أن مراكز التحكيم السعودية أصبحت ذات قدرات عالمية وتضم كفاءات وقدرات من السعوديين الذين تبحروا في علوم القانون ويجيدون اللغة الإنجليزية بطلاقة، كما أن القانون السعودي الذي صدر بخصوص إدارة الدعوى وجلسات الاستماع حقق نقلة نوعية في حفظ الوقت والجهد للمتنازعين، وكذلك مدونات الأحكام القضائية وما تحتويه من أسباب وحيثيات للحكم مترجمة إلى عدة لغات أقرت نظريات ومبادئ متطورة في القضاء يدرسها عدد كبير من المحاكم الأوروبية، وكذلك القواعد المستمدة من القانون التجاري السعودي الصادر حديثا أرست مفاهيم متطورة في التعويض المادي والمعنوي وفوات المكاسب المستقبلية بمنظور شمولي واسع، وكذلك قانون عمليات البنوك السعودي الذي فصل التزامات الممولين والمقترضين وفق آليات جديدة وغير مسبوقة وأنظمة الحجز التحفظي والإجراءات الوقتية التي يستطيع المتنازعون اللجوء إليها أثناء نظر الدعوى واضحة وفعالة. ولم يطفئ فرحتي ويخمد سعادتي سوى صوت العسكري في مكتب القاضي وهو يخبرنا بعد ساعات انتظار طويلة بأن الشيخ لن يأتي اليوم وستؤجل جميع الجلسات.