يكبرون بأعيننا لكنهم سرعان ما يصغرون! تتساقط الأوجه المزيفة والكيانات المنتفخة ويتكرر المشهد كثيرا مع أبطال تراجيديين ومشاهدين مشدوهين بعنتريات أولئك! فكثيرا ما تأخذنا تنظيرات فلان، يؤججنا حماسه ومسحة الإقدام في قسماته، حتى نظن أن خلاص مشكلاتنا على يديه، ثم تنقشع الضجة ويبقى السكون فنكتشف آنذاك أنها تلك الجعجعة الفارغة وأن ذلك البطل ليس سوى جرم منتفخ! وإن كان هذا الداء لدى بعض المثقفين والأكاديميين فما بالنا بعامة الناس إذ يكون الأمر أشد وأنكى، فأولئك ينطلقون من خلفية معرفية يستندون إليها، وهؤلاء ينطلقون من تراكمات اجتماعية ونفسية خطيرة. لنعترف بصراحة أن فئة من مجتمعنا تعاني ازدياد معدلات الثرثرة، فيما يقابله انخفاض ذريع في معدلات العمل والإبداع، لذا اتسعت دائرة المشكلات التنموية والاجتماعية، وبدأ الخواء والتفكك يمضي في تفاصيل حياتنا! وبعد أن نكاشف أنفسنا يجب أن نحاول إغلاق أفواهنا، وبعدها الإنصات والاطلاع، ومن ثم التعاطي مع المتغيرات وخوض المعترك الحياتي بكثير من الحكمة وقليل من الكلام. ولننظر إلى سير العلماء والمفكرين والعباقرة الذين قضوا حياتهم في العمل والبحث بعيدا عن الضوضاء، حتى إن وسائل الإعلام كانت تجد صعوبة في اللقاء بهم، ورغم ذلك بنوا مجتمعاتهم، فخلدتهم بلدانهم بل العالم أجمع، وخُلعت أسماؤهم على الجامعات والميادين والمراكز والمنظمات، ورأينا صورهم على صفحات الكتب والعملات، أما أولئك الذين نرى صورهم كثيرا ونسمع أصواتهم كثيرا، فليسوا سوى ريح جافة ساخنة ستنتهي بانتهاء الموسم! بلدنا وصل إلى مرحلة حضارية مهمة، ومن الضروري أن نكون بمستوى هذه المرحلة، وذلك لا يتأتى إلا بإلقاء الضجيج المزيف جانبا، وإخماد شرر الصراخ، والبدء بالتفكير والتخطيط والعمل، فبلدنا يستحق ونحن قادرون.