أسهمت التكنولوجيا في التباعد بين أفراد العائلة الواحدة، من ناحية الجلوس معا وتبادل الأحاديث، أو الاجتماع حول سفرة الطعام وترتيب جدول النوم والغذاء على حد سواء، حيث باتت كثير من الأسر تعاني من سهر أبنائها على الإنترنت وألعاب الشبكة حتى أوقات متأخرة من الليل، بل وجلوس عدد من أفراد المنزل موصدين أبواب غرفهم متسمرين أمام الشاشات لساعات طويلة، مما سبب الكثير من الجفاء بين أفراد الأسرة الواحدة، وكذلك أدى إلى نشوء العديد من التوترات، وضعف العلاقة في البيت الواحد، وأصبح من الطبيعي أن يمر يوم أو يومان دون أن يشاهد المرء أحد أفراد عائلته بسبب تضارب المواعيد بين الأطراف. عن هذا الجانب أوضحت الاختصاصية الاجتماعية مها العبدالرحمن أن للغزو التكنولوجي واستخداماته المختلفة بالغ الأثر في استقرار وترابط ووئام وتماسك أفراد الأسرة الواحدة، وعزلهم عن بعضهم البعض، حيث إن انشغال رب الأسرة في تصفح الإنترنت لساعات طويلة مستقطعة من فترات وجوده في المنزل، بعد أوقات العمل ولقاء الأصحاب خارجه، وكذلك الحال بالنسبة إلى الأم وخاصة العاملة، وتعلق الأطفال بالألعاب الإلكترونية بشكل دائم وأساسي، مما يعني انشغالا ذهنيا، وفجوة في جدار العلاقة الأسرية، ويحدث تباعدا، وضعفا للتكيف مع الواقع الأسري، وشرخا في أحد أساسيات التعامل والاجتماع الذي يميز الأسرة ويدعم فكرة وجودها بالأساس: «على ضوء ذلك سيغيب الأب عن المتابعة وتوجيه الأبناء، ومشاركة الأم عبء النواحي التربوية». وذكرت مها أن الأطفال ستضعف خيوط ارتباطهم بالوالدين، وبالإخوة مع وجود أوقات مهدرة يمضونها في لعب البلاي ستيشن مثلا، رغم ما يحتويه من دروس غير مفيدة، أو ضارة من تعليم للسرقة والعنف والتجاوزات، وقد يطبق الطفل المشاهدات على إخوانه بالمنزل، فتحدث شحناء وضغينة، ومشاعر غير مناسبة للجو العائلي والأخوي. وأوضحت أنه لا بد من ترشيد للتعامل مع هذه التكنولوجيا، فالمنع والمقاطعة ليس الحل، ولكن الأمر يتطلب حكمة وموازنة بتحديد أوقات ونوعية الاستخدام، واشتراط ألا يطغى أو يخل بنقطة الارتكاز «بناء الأسرة» بكل ما يحمله المعنى من وجود لأفراد يجمعهم صلة قربى وتلاحم وتواد وتقارب وتفاعل وتعايش ومشاركة واجتماع وروابط متينة تصنع منظومة متكاملة لمجتمع صغير، يُنشئ أفرادا فاعلين ومتفاعلين ومتوازنين لمجتمعهم الكبير «الوطن».