بعض الحكايات حين نمر بها نظن أنها مجرد قصة لا يمكن أن نلمس تفاصيلها يوما من الأيام، لا لأنها مستحيلة أو لأننا مستحيلون، بل لأن التفكير في وجودها بكل هذا القرب هو المستحيل الذي نظنه. وهو الظن نفسه الذي خالجني عندما شاهدت منذ زمن فيلم «توت توت»، وأسيت على حال كريمة «نبيلة عبيد» التي تعاني خللا عقليا وتجوب الشوارع برضيع أنجبته من رجل ثري استغلها وفرض عليها حياة قاسية لن تستطيع مجاراتها، ثم تركها تعبث بحياة طفل يبكي الجوع وضياع عقل أمه. مستورة أيضا تتجول بصغيرات ثلاث في طرقات القرية، بنات نحيلات بشعر أشعث وملابس متسخة، لا يفرق بين واحدة وأخرى سوى أشهر الحمل وفترة الولادة، وحين تجلس تمسك بقوة بهن، وكلما حاولت واحدة منهن التحرك «قرصت» ذراعها أو خدها أو جذبتها من ساقها إليها. مستورة غيرت ظني وأكدت لي أن الحياة تتشابه تفاصيلها في كل مكان. هي فتاة تعيش في أقصى الجنوب، وفي أقصى درجات الضعف العقلي، تمشي وتتحدث وتستطيع ارتداء ملابسها فحسب. وكان أحدهم في الجوار ساكتا وساكنا، لكنه رجل، لا يملك من أمر نفسه ولا عقله شيئا. لكنه قادر على ممارسة الزواج والدخول بامرأة، ومستورة بلغت العشرين. إذن هي تلك المرأة! كريمة هي «مستورة»، والحياة لطفل كريمة هي نفسها لصغيرات مستورة! فأي عبث يمنحه زواج المختل عقليا لحياته وحياة من ينجبهم؟! وأي عين نغمضها نحن عن إمكانية منع التلاعب بمصائر أطفال يأتون بلا وعي إلى حياة مجنونة تسلبهم حقهم الطبيعي في أن يكون لهم حياة سوية. وما دور المؤسسات الاجتماعية، والمشرعين، لمنع مثل هذه الزواجات؟! وهل من المعقول أن تكون القدرة الجنسية عند أحدهم سببا كافيا لمنحه مساحة شرعية يمارس فيها قتل نفسيات وعقول جيل لا ذنب له ولا خطيئة سوى أنه ابن «مختل عقليا» وابن مجتمع نائم عن مشكلاته!