لا ترتبط اللصوصية بالمال وحسب. ثمة لصوص محترفون، هدفهم في الحياة سرقة راحتك وتعكير مزاجك. قرأت قبل فترة عن محاكمة سيدة في مكة بتهمة إزعاج السلطات. هذه السيدة لم يكن لها «لا شغلة ولا عملة» إلا بعث الشكاوى الكيدية ضد طليقها. في النهاية «طق عيار» الشخص المسؤول وجرجروا المرأة إلى ساحات المحاكم، حتى يتخلصوا من إزعاجها. أنا لست سلطات ولا مقبلات، لكنني أيضا أتعرض كثيرا للإزعاج. بجوار منزلي ثمة ست آلات ثقيلة تحفر أرضا صخرية. تبدأ هذه الآلات عملها منذ طلوع الفجر، وتستمر في ضرب الأرض الصخرية: طاخ طيخ طوخ. الآلات تضرب الأرض، لكنني أشعر وكأنها تضرب رأسي. هل تعتقدون أنني أتحرر من هذا الإزعاج حين أخرج من منزلي. كلا، فتحت مكتبي مباشرة مدرسة ابتدائية أهلية. أنا تركت الدراسة منذ 15 عاما، لكنني ما زلت أحضر حصة التربية البدنية. أريد أن أفهم فقط: لماذا يصرخ الطلاب طوال هذه الحصة. سؤال آخر: لماذا لا يسمون هذه الحصة حصة الصراخ البدني. أو التربية الصراخية مثلا. ينتهي دوام الطلاب لتبدأ حصة الإزعاج الكبرى. سائقون من كل حدب وصوب يغلقون الشارع بطوله. أصوات المنبهات لا تتوقف لحظة واحدة، ويزيد الأمر سوءا حارس المدرسة ذو الصوت الجهوري الذي يظل يردد أسماء الطلبة.بت الآن أحفظ أسماءهم جميعا. أعرفهم طالبا طالبا. أحيانا حين أريد أن أتسلى أراقب تسلسل الأسماء: لم أسمع اسم محمد الكثيري يتردد عبر المايك. لا بد أنه غائب. سائق عبدالله العنزي الذي يتأخر غالبا حضر مبكرا هذا اليوم.. وهكذا. أين كنا؟ آه تذكرت. كنت أقول إننا نحن أيضا نريد قانونا ضد إزعاج المواطنين على غرار قانون إزعاج السلطات. وقبل أن ينتهي عدد الكلمات المحدد للزاوية، لدي رغبة جامحة في أن أقول لحارس المدرسة: يا أخي.. ارحمنا.