دخلت السجن بزلة قدم.. وطيش شباب.. أمضت خلف أسواره سبعة أشهر في قضية «تبرج» كما تقول هي، و«اختلاء» كما يقول ملف قضيتها التي نظرتها المحكمة قبل أكثر من عامين، لكن في الحالتين النتيجة واحدة. تخلى الجميع عنها.. زوجها وأهلها، وأصبحت منبوذة وعارا يجب التخلص منه.. ولتصبح الحرية التي تتنفسها سجنا كبيرا تصارع وتحاول الصمود فيه ومقاومة كل الصدمات والابتلاءات التي تتعرض لها.. وتقاوم ما هو أقسى شوقها لأطفالها. «ح . غ» لم تكد تتجاوز عامها الثلاثين كانت تعيش حياة طبيعية أسرتها المكونة من الأب والأم وإخوتها في إحدى المدن الصغيرة تزوجت وكان عمرها نحو 24 عاما من رجل خارج العائلة وانتقل بها إلى الرياض وأنجبت له ثلاثة أطفال أكبرهم ولد عمره ستة أعوام وبنتان، خمسة وأربعة أعوام: «هناك تعرفت على بعض الفتيات واعتدنا على الخروج إلى الأسواق والمتنزهات والتجول فيها، وفي إحدى المرات كنت برفقة ثلاث من صديقات نتسوق في أحد المراكز التجارية الكبرى في الرياض وعندما خرجنا من المركز للعودة إلى منازلنا كنا متبرجات، فاستوقفنا أحد رجال الهيئة ونحن نهم بالانطلاق بسيارة أجرة وسألنا عن هوياتنا وكيف نخرج بهذه الهيئة ثم اقتادونا إلى مركز الهيئة». ومن هنا بدأت ملامح قصة «ح، غ» تتشكل فبعد أن كتب أولياء أمور صديقاتها التعهدات اللازمة اصطحبوا بناتهم وخرجوا بينما دخلت هي في نفق لم تخرج منه حتى الآن: «اتصلت على زوجي من داخل المركز فلما عرف بالقضية قال لي اتصلي على والدك وإخوانك لكنهم رفضوا الحضور بحجة أني وضعت رؤوسهم على الأرض وتركوني أواجه مصيري وحدي». حوكمت «ح، غ» بسبعة أشهر سجن بتهمة التبرج، على حد قولها، فأصيبت بحالة من الإحباط الشديد من السجن والإهانة التي تعرضت لها ومما وصفته بظلم ذوي القربى فأصبحت شديدة العصبية ولا تطيق أن تحدث أحدا كما استبد بها الشوق لأطفالها الذين يعيشون مع والدهم. بعد انتهاء محكوميتها خرجت للدنيا وهي تعلم أنها خارجة إلى سجن آخر بلا أسوار تحكمه قوانين العلاقات والمصالح «خرجت وليس لدى أحد لا سكن ولا وظيفة، فسكنت في غرفة صغيرة مبنية من الطين فوق أحد الأسطح عند أرملة أجنبية عجوز في الشميسي. زارتني لجنة رعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم في تلك الغرفة ووجدت صحتي متدهورة حيث أصبت بالسكري والضغط والربو، إضافة إلى إصابتي بغرغرينة في قدمي اليمنى فقدمت مساعدتها واستخرجت لي بطاقة هوية ثم تم تسجيلي في الضمان الاجتماعي الذي بدأ يصرف لي 800 ريال شهريا». واستمرت «ح، غ» في مكابدة الحياة تارة تقاوم وتارة تقع فريسة المرض الذي أقعدها عاما ونصف العام في أحد المستشفيات لم يسأل عنها أحد إلا الأطباء والممرضات.. وفاعل خير منحها سبعة آلاف ريال استطاعت أن تستأجر به منزلا قديما وأسكنت معها خالتها السبعينية بعد أن توفي زوجها.. وتتساءل: «لو وقعت فتاة أو زوجة في غلطة أو زلة قدم ودخلت السجن.. هل يتبرأ منها أهلها والمجتمع بأسره؟.. إذن ماذا لو تورطت في جريمة أكبر؟». واعتبرت أن ما عاشته من مواقف كان أقسى من السجن فوالد أطفالها خيّرها عندما طلبت رؤيتهم أن يسلمهم لها لكنه لن يصرف عليهم ريالا أو أن تنتظر إلى أن يكبروا وساعتها سيكون القرار لهم. كما أنها كانت ترجو إخوتها أن يسمحوا لها برؤية والدها وهو على فراش الموت لكنهم هددوا بالذبح لو حضرت.. وهم الآن بعد وفاته يحاولون إرغامي على كتابة توكيل لهم ليستولوا به على حصتي من الإرث. وذكرت أن لجنة رعاية السجناء والمفرج عنهم قدمت لها الكثير من الناحية الإنسانية لكنها لم توفر لها فرص التدريب والتأهيل حتى تشق طريقها بنفسها، فمساعدة الضمان قليلة ويذهب معظمها في إيجار المنزل.. كل الجهات التي تقدمت للعمل إليها تطالبني بشهاداتي الدراسية وهي عند أهلي ولن استطيع الحصول عليها «حاولت الانتحار مرتين لكن في كل مرة كنت أعود إلى صوابي وأقول إن الأمر ابتلاء من الله وليس أمامي سوى الصبر». من جانب آخر، أكد القاضي بالمحكمة الجزئية محمد السعيد، أن الحكم بالسجن سبعة أشهر في قضية تبرج ليس منطقيا، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون هناك الحكم لمجرد تبرج. مشيرا إلى أن القضية ربما بها أبعاد أخرى .