«ميم» امرأة كابدت لتصبح معلمة، وتخطت جميع الظروف القاهرة التي يكفي نصفها لقصم ظهر رجل، وهي تجد مبلغا ماليا نهاية كل شهر يخرجها وأهلها من حالة العوز التي كانت قاب قوسين منها. كان راتب والدها التقاعدي لا يكاد يسد رمقهم. دهمها القدر بخطف أمها، فتزوجت لتجد نفسها بعد سنة ونيف تحمل ورقة طلاق وطفلا رضيعا أضيف إلى قائمة العوز العائلية. تزوج والدها حتى يعوض أبناءه فقد أمهم، فأنجبت له زوجته الثانية قائمة أخرى من الأطفال لم يلبث أن غادرهم إلى حيث والدة المعلمة «ميم»، وما هي إلا أشهر معدودة حتى تبعته زوجة الأب، فوجدت «ميم» نفسها وجها لوجه مع سطوة الزمن الذي لا يرحم، ومع قائمة طويلة من الأطفال اليتامى، وأخت توفي زوجها تاركا لها طفلين تعمل أيضا في سلك التعليم. تقاسمت الأختان العصاميتان مسؤولية الإبقاء على بيت أبيهما عامرا بذكرياته، لولا أن أخاهما الأكبر أصبح مضطرا إلى الدراسة في الرياض، وكان لا بد من ذهابهما معه، فهو محرمهما الوحيد. تم قبول نقل الأخت الكبرى لاستحقاقها، لكن المعلمة «ميم» لم تجد بدا من الانتظام في طابور المعلمات اللاتي قيل لهن إن هذا «السرى» لا يمكن اختراقه، ولا تستطيع أن تبقى «ميم» وحدها؛ لأن محرمها الوحيد سيذهب إلى الرياض التي تبعد عنهم أكثر من ألف كيلومتر. «ميم» اختارت نزاهة الانتظام في حركة التنقلات، وذهبت مع إخوتها إلى الرياض في انتظار نتائج النقل. قضت السنة الأولى من الانتظار مع أهلها بحجة إجازة الأمومة، ثم أمضت السنتين الثانية والثالثة بلا راتب. قبل حركة التنقلات الأخيرة، قيل للمعلمة «ميم» إن رقمك «21»، ولا يمكن إلا أن تكوني ضمن من يشملهن النقل، وبعد ثلاثة أعوام من المكابدة والانتظار طلب منها أن تنتظر عاما آخر. والمفاجأة أن ما حدث لا يصدق، إذ أصبح الآن رقم المعلمة «ميم» في حركة النقل «19» وإذا كان هناك أكثر من 860 معلمة منقولة لمنطقة الرياض، سنجد أن منطقة الرياض بكاملها لم ينقل إليها من معلمات القسم الابتدائي سوى أربع معلمات، أيعقل ذلك في ظل النقص الذي يعانيه القسم الابتدائي؟!