إلى وقت قريب لم تكن هناك مراكز اجتماعية تقدم الاستشارات فيما يخص الجانب السلوكي المتعلق بحياة الفرد في مجتمعنا الذي ينظر إليه البعض على أنه خط أحمر لا مجال فيه للطرح أو النقاش في بيئة ترى أن كل ما حولها يدور في فلك الخصوصية. إلا أنه في السنوات الأخيرة ظهر عدد من المراكز في المدن الكبيرة، تسعى لتعزيز مفهوم المجتمع المدني، وكثير من هذه المؤسسات غير ربحية، وتدار بأيدي ذوي الخبرة من الاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين، وجاء ظهورها المتزايد نتيجة لزيادة المشاكل الأسرية والضغوط المتزايدة من إيقاع الحياة السريع الذي يعصف فلا يبقي ولا يذر، ولا يفرق بين غني وفقير. في هذا الجانب التقت «شمس» الشيخ فهد الهويمل المدير التنفيذي لمركز واعي للخدمات الاستشارية الذي تحدث لنا عن عدد من المعضلات التي يواجهونها بصفة يومية، وكشف لنا عن حكايتهم مع أصحاب المؤهلات العليا.. في الحوار التالي: بداية، ما الدور الذي يمثله (واعي).. وما الجدوى من وجوده كمركز غير ربحي؟ بالنسبة إلى الدور الذي يضطلع به مركز (واعي) للاستشارات، فهو دور استشاري توعوي، لأبناء المجتمع بشرائحه كافة، والمركز يعد رائدا في أسلوبه وما يقدمه من استشارات، ونحن ولله الحمد قدمنا أكثر من ثمانية آلاف استشارة خلال العام الماضي، وهو معدل كبير جدا، وأهدافنا واضحة، حيث تقوم على وضع الحلول للمشكلات التي تعترض أركان المجتمع بطبقاته كافة. فيم تتلخص نشاطات المركز؟ للمركز نشاطات متعددة، لكنها تتلخص في ثلاثة مسارات، الأول يتعلق بالمسار الوقائي، ويهتم بوقاية الأسرة من التفكك، والقضاء على بوادر الخلاف التي تنشأ داخل كيان الأسرة، من خلال توعية أفرادها بالحقوق والواجبات كما جاء بها الإسلام، والسعي لإعانة أفراد الأسرة على مواجهة المشكلات قبل وقوعها، أما المسار الثاني فهو المسار العلاجي، ويعنى بعلاج الحالات والمشكلات التي ترد للمركز من خلال المستشارين الخاصين بالمركز والمؤهلين تماما لهذه المهمة، وتقديم المساعدة للأسرة من أجل تفادي هذه المشكلات، وحلها بشكل يضمن النجاح واستمرارية الأسرة، أما المسار الثالث فهو يختص بالجانب الإنمائي، ويهدف إلى توجيه أعضاء الأسرة وتطوير ذواتهم، واستثمار قدراتهم بما يكفل لهم حماية سياج مجتمعهم الصغير، خاصة في مجال العلاقات الإنسانية كي يسهموا في بناء المجتمع واستقراره. ما هي أهلية من يؤدي الاستشارة.. وما مستوى الخصوصية لمن يطلبها؟ لدينا مستشارون مؤهلون في الجوانب كافة، سواء الاجتماعية أو النفسية أو الاقتصادية وغيرها، وأما عن مستواهم العلمي فلدينا أساتذة في الجامعات، وكذلك اختصاصيون اجتماعيون ونفسيون، يقومون بالدور بشكل مناسب، وعن مستوى الخصوصية، بلا شك نحن نحرص تماما على خصوصية طالبي الاستشارة، ولا نطلب الأسماء إلا في الحالات القصوى، أما في الحالات العادية، فإن الأمر يتم بكل يسر وسهولة وبأقصى معايير الخصوصية. بالنسبة إلى طالبي الاستشارات، ما هو مستواهم العلمي.. هل هم المستويات المتدنية أو العالية؟ قد يكون الأمر مفاجئا إلى حد كبير، فنحو نصف طلبات الاستشارات بما يعادل 49.25 في المئة، هم من أصحاب المستوى العلمي العالي، جامعي فما فوق، وهو أمر قد يقدم تفسيرا من خلال معرفتهم بأهمية طلب الاستشارة في المشكلات التي تعترضهم، وبالإجمال أكثر طالبي هذه الاستشارات، هم من ذوي المستوى العلمي المرتفع. ما هو حجم الإقبال من الجنسين على الاستشارات؟ عند العودة إلى إحصائيات العام الماضي نجد أن عدد طالبي الاستشارة من الإناث يعادل 74 في المئة، وما نسبته 26 في المئة هو للذكور، وتتركز أغلب الاستشارات حول المشكلات الزوجية، وهذا يعطي إشارة إلى أهمية العناية بحل مشكلات الأسر، ومحاولة وضع خطوات استباقية للحيلولة دون وقوع هذه المشكلات، وهذا ما نركز على تنفيذه أيضا من خلال البرامج والدورات التي تقام بين فينة وأخرى، وتبقى المشكلات النفسية في المرتبة الثانية. إذن، هذا يكرس لمسألة أهمية انتشار مثل هذه المراكز؟ بالتأكيد، والأهم من ذلك أن تكون هذه المراكز غير ربحية، حتى تؤدي دورها بشكل أكثر فاعلية، خاصة مع كثرة المشكلات الأسرية في المجتمع، وتناميها بشكل كبير ومخيف في آن واحد، فالطلاق والعنف والعقوق، تمثل ظواهر مزعجة للمجتمع، كما أن هناك عجزا كبيرا في عدد المراكز التي تؤدي هذا النوع من الخدمات، ولو توافرت فهي تحرص على الربح المادي على حساب جودة ما تقدمه، ومن الضرورة بمكان أن تنشأ مراكز تؤدي هذه الخدمات للمجتمع لأهميتها الكبرى. أنتم مركز غير ربحي.. فكيف يتم توفير متطلبات المركز؟ حقيقة نحن نقدم الشكر الجزيل لمؤسسة المشعل الخيرية، فهي المتكفلة تماما بمركز واعي للاستشارات الاجتماعية، ونتمنى أن تقوم أيضا مؤسسات خيرية مقتدرة على دعم إنشاء مثل هذه المراكز لدورها الكبير في تحقيق الإيجابية للمجتمع.