أوشكت أن تفقد الأمل في أن تنتشلها يد حانية من حياة التشرد والأعين الطامعة هي وطفلتها الرضيعة، بعد أن تخلى عنها أقرب الناس إليها وتركوها تهيم على وجهها في الشوارع، فلا أحد يريد أن يفسد حياته بوجود (نزيلة سابقة بدار رعاية الفتيات) معه وإن كانت من لحمه ودمه! لم تستطع بدرية أن تكبح دموعها وهي تنقل إلى “شمس” جانبا من معاناتها وسط صرخات رضيعتها ذات الثمانية أشهر: “أمضيت أربعة أعوام داخل دار رعاية الفتيات في مكةالمكرمة قبل أن يتقدم إلي أحد المواطنين، طالبا الزواج بي. ساعتها كانت سعادتي كبيرة؛ فبعد وفاة والدي تخلى عني أشقائي وشقيقاتي.. وبعد عام من زواجي فاجأني زوجي بطلاقي رغم أن جنينا كان ينمو في أحشائي.. صارحني بأنه لم يستطع مواجهة نظرات الناس من حوله وهمسهم وغمزهم؛ فاللقب الذي أحمله أصبح وصمة عار تلاحقه في كل مكان”. وكم كانت صدمتها أقسى عندما صدّها أشقاؤها وشقيقاتها ورفضوا أن يستقبلوها، لكنها استطاعت أن تقنع أحدهم بأن يستضيفها ولو لحين، إلا أنها تركته بعد 24 ساعة لأن الحياة معه “جحيم”. بعدها لم تدع أي جهة رسمية أو خيرية إلا وطرقت أبوابها لكن دون جدوى، وكانت آخرها رباط خيري رفضها بعد أن اكتشف ماضيها. فاستنجدت بإحدى صديقاتها التي أسكنتها معها في منزلها حتى وضعت مولودتها، لكنها شعرت بعد ذلك بفتورها تجاهها فصارحتها بأن والدتها لم تعد تتحمل همس الجيران ونظرات الشك والخوف من وجود نزيلة سابقة لدار الرعاية في عمارتهم. وفي الأجزاء الخارجية لمسجد الأمير أحمد بحي الرصيفة اتخذت بدرية من أحد أجزائه الخارجية مكانا تستتر به وطفلتها الرضيعة حتى فوجئت بطليقها مصادفة، فرقّ لحالها وحال طفلته، وأخذهما إلى منزله الذي يسكنه وحيدا: “أقضي أيامي في العيش تارة بمنزل طليقي، وتارة أخرى بالشارع، وعندما يستبد بي الجوع أقتات أحيانا من حاويات القمامة.. بدأت أخاف أن أضعف أمام قسوة الحياة؛ فكثير من الأفكار السوداء تراودني؛ لعلها تضع حدا لشقائي وطفلتي”.