المتابع لألبومات الفنانين في الخمس سنوات الأخيرة، يجد أن هذه الألبومات محتكرة بصفة رسمية لصالح عدد من الشعراء الغنائيين، وعلى نطاق ضيق بعض الملحنين، وهذا الأمر مما لا يدع مجالا للشك أنه أضر الأغنية السعودية التي وصلت إلى مكانة عالية تصدرت من خلالها لواء الأغنية العربية، وخنق الإبداع والتناغم الموسيقي الذي من المفترض أن يتم بين مثلث (الشاعر والفنان والملحن)، وألا يتحول إلى تناغم مادي. وولد اليأس في نفوس عدد من الأطراف في الساحة الغنائية التي لا تتسع سوى للشعراء (الكاش) الذين أصبح الفنانون يتعاملون معهم على طريقة (المناقصات) و(العقود)، حيث إن كل شاعر يضخ من أربع إلى خمس أغان في ألبوم واحد ثم يمرر بطاقته الائتمانية في مكينة الفنان، ومن أجل المادة يتواطأ الفنان مع الشاعر، ولا يضع أدنى مسؤولية لذلك أمام جمهوره الذي فقد صوته من الصراخ في أذني الفنان مطالبا إياه بالابتعاد عن هذا الشاعر أو ذاك لكن دون جدوى، وجرت العادة أثناء تحضير الفنان لكل ألبوم أن يبدأ في (فتح المظاريف) للشعراء المتقدمين، وتتم ترسية المشروع على الشاعر صاحب الضمانات البنكية الكبيرة. هذه الظاهرة تسببت في غياب عدد من الشعراء الغنائيين الذين كانوا موجودين في فترة التسعينيات وما قبلها وقدموا تعاونات كبيرة وغنية من حيث الكلمة والأداء، ويعيشون الآن تحت وطأة التهميش لانعدام السيولة، لأن الساحة الغنائية أخذت منحى آخر فكان الغياب مصيرهم، وشعروا باليأس من العودة للوسط في مثل هذه الظروف، والدليل على ذلك المفردة الحجازية التي تسيدت الموقف الغنائي في فترة سابقة، غابت الآن رغم جمالها، ولا يحضر هؤلاء الشعراء سوى بالمبادرات و(الفزعة) من الفنانين الذين يتفهمون أهمية الوضع وخطورة الموقف، وذلك ما فعله الفنان محمد عبده مع الشاعرة ثريا قابل في أغنية (حطني جوا بعيونك). وإذا ما اقتربنا كثيرا من تشخيص المسألة نجد أن هؤلاء الشعراء نصبوا أنفسهم حراسا على بوابة الساحة الفنية، وبمجرد بزوغ فنان شاب يتهافتون عليه، ويمدونه بما لذ وطاب من الكلمات مسبقة الدفع، وبعد مرور أكثر من ألبوم يجد هذا الفنان نفسه لا يستطيع الخروج من عباءة ذلك الشاعر ويقع في فخ التكرار الذي يضيع عليه فرصة الحضور والمنافسة والتنوع. وإذا كان للأغنية ثلاثة أضلاع رئيسية فيها (الفنان والشاعر والملحن) فالشاعر أصبح المسيطر على اللعبة وهو المحرك الأساسي لها، يسيطر بيد على فنان وبالأخرى يحتكر ملحنا يضخ له نتاجه المنوع بين (العاطفي والحزين والفرايحي) ليتولى الملحن الجهبذ تمريرها على السلم الموسيقي، والمتحكم الرئيسي في (مثلث برمودا) هو الأكثر مادة. عن هذا الموضوع تحدث الملحن صلاح الهملان وقال: “أنا غير راض على الأوضاع التي تمر بها الساحة الخليجية، وهناك عوامل عدة حجبت تواصلي مع الفنانين، من أهمها عدم معرفتي بالشعراء (الدفيعة) أو ما يسمى بالمنتجين”، وأضاف: “لا أستطيع التواصل مع أي فنان إلا عن طريق أحد هؤلاء الشعراء الذين عادة ما يختارون ملحنين مجتهدين ولا يملكون الجديد”. أحد الشعراء الغنائيين (رفض ذكر اسمه لحساسية الموقف على حد وصفه)، وقال: “لدي نصوص موجودة لدى بعض الفنانين الكبار رفضوا غناءها وبعضهم صرح لي بطلب المقابل المادي، وأنا لا أملك ذلك”، وتابع: “بعضهم تناسى عشرة العمر مقابل المال، وليس لي سوى الانتظار، لأنهم لا يبتسمون إلا على حسب المصالح”.