تشهد سوق الحديد بالرياض هذه الأيام فوضى غير مسبوقة، أدت ببعض التجار إلى تخزين كميات من الحديد في المخازن والامتناع عن بيعها؛ انتظارا لموجة جديدة من ارتفاع الأسعار، ما أدى إلى نشوء سوق سوداء لبيع الحديد من خلف الكواليس بأسعار مبالَغ فيها؛ استغلالا لحاجة المستهلكين إليه مهما بلغت هذه الأسعار، في ظل إحجام التجار المعروفين عن بيع الحديد للمستهلكين؛ الأمر الذي دفع بوزارة التجارة إلى إجراء مداهمات سرية لمواقع بيع الحديد واكتشاف الكثير من المخالفات في هذه السوق. “شمس” وقفت أمس على عدد من هذه المواقع التي تمتنع عن بيع الحديد والمواقع التي تبيعها للمستهلكين من خلف الكواليس، في محاولة للبحث عن حقيقة أزمة ما يدور في دهاليز هذه السوق التي تشكل محورا مفصليا في الحياة اليومية للأهالي.. إذ عبر عدد من المواطنين عن معاناتهم الفوضى التي سادت سوق الحديد من حيث عشوائية الأسعار، وتخزين الحديد، والسوق السوداء، واللوبي الأجنبي. في بداية الجولة رصدت “شمس” آراء الكثير من المواطنين خاصة من كبار السن المتذمرين من الأسعار التي قالوا إنها تتزايد بطريقة مزاجية من قبل التجار؛ إذ قال فهد التويجري: “ما يحدث هذه الأيام من تلاعب بأسعار الحديد وامتناع عن البيع، يعتبر أشد أنواع الاستغلال باختيار عناصر وفئات محدّدة يمكن أن تباع إليها كميات من الحديد. وهذا الاستغلال الذي نتعرض له يجب ألا يمر مرور الكرام على الجهات المختصة؛ فأنا أحاول منذ ثلاثة أسابيع الحصول على حديد بسعر معقول؛ فالموجود حاليا يزيد في كل طن 800 ريال. ولا تختلف معاناة التويجري عن معاناة المواطن محمد المقبل الذي أكد ل شمس” أنه بصدد جمع توقيعات المواطنين ورفعها إلى جهات عليا لرفع الضرر الذي حدث لهم من قبل التجار؛ إذ إنهم لم يقفوا عند زيادة معينة، بل تطور الأمر إلى الإحجام عن بيع الحديد للمواطنين الذين لا حول لهم ولا قوة. كما أكد أحد أصحاب محال بيع الحديد ل شمس” (فضل عدم ذكر اسمه) أن سوق الحديد في الوقت الجاري تحولت إلى سوق سوداء، وقال إن هوامير السوق هم المتسببون في خلق هذه الأزمة، وهم من يتحكم في عملية العرض والطلب، مؤكدا في الوقت نفسه أن العملاء من المواطنين يظنون أن الزيادة من قبلنا، والصحيح أن الموزع يحصل على الحديد من الموردين بأسعار مرتفعة، والمواطن يشترك في مسؤولية حدوث هذه الأزمة؛ فبعد أن ترددت أنباء أن الحديد سيقفز إلى أعلى مستوياته، ذهب البعض لشراء أكثر من حاجته، فزاد الطلب على الموردين. واعترف تاجر تسلم ورقة استدعاء من قبل وزارة التجارة والصناعة بإحجامه عن بيع الحديد، وقال أمام حشد من المستهلكين في حضور “شمس”، إنه فعل ذلك؛ كونه سمع أنباء قوية من داخل السوق أن سعر طن الحديد سيشهد مستقبلا زيادة تصل إلى 700 ريال للطن الواحد؛ إذ أعدت وزارة التجارة كمينا لاصطياد المخالفين، بإرسال مواطن إلى مقر إحدى المؤسسات المتخصصة في بيع الحديد وطلب كمية من الحديد بأحجام متنوعة، فوجد من قبل صاحب المحل رفضا تاما بحجة أن المحل لا يتوافر به حاليا أي حديد، لتدخل على الفور فرقة من الوزارة على صاحب المحل وتطلب منه زيارة المستودع المخصص للحديد، ليفاجؤوا ومعهم عدد من المواطنين الذين تابعوا عملية المداهمة بوجود كميات كبيرة من الحديد. وإزاء هذا التصرف، طلب هاني الزامل مندوب وزارة التجارة والصناعة من صاحب المحل بيع كل الكميات الموجودة لديه للمستهلكين الذين كانوا موجودين. وكشف لنا عدد منهم أن بعض التجار في الوقت الجاري يخزنون الحديد في أماكن متفرقة؛ حتى لا يتعرضوا لمخالفات “الامتناع عن البيع”، في حال تم دهم محالهم.. وبعضهم أصبح يشتري من المصانع كميات كبيرة من أجل تخزينها وبيعها فيما بعد بأسعار أعلى. كما شاهدنا أمس على أرض الواقع تكتلات وعمليات إقصاء واضحة للمواطن السعودي في ظل تحالف وتكتل الجاليات غير السعودية، عن طريق توفير الحديد بكميات كبيرة للمقاول الذي تربطه علاقة وطيدة بالعاملين في المحال. ورصدت “شمس” تكدس الكثير من المواطنين أمام محال بيع الحديد دون العثور عليه؛ إذ يقول المواطن خالد العتيبي: “شاهدت الكثير من المقاولين من الجاليات الأخرى يحصلون على الحديد بسهولة، بل إن البعض لا يكلف نفسه بالحضور بل يكتفي بإجراء اتصال هاتفي. من جهته قال هاني الزامل المراقب الميداني التابع لوزارة التجارة والصناعة إن جولتهم السرية رصدت الكثير من المخالفات على أصحاب محال الحديد من حيث الإحجام عن ممارسة البيع الذي يعد مخالفة تعاقب الوزارة مرتكبها، وأضاف أن الفرقة سجلت في شمال الرياض مخالفتين من زيارة ثلاثة محال فقط.. وهذا مؤشر غير عادي، والوزارة تعد الامتناع عن البيع مخالفة تستوجب العقاب لإضرارها بالناس.