إذا رن جوالك وأنت في اجتماع مهم مع مديرك، أو كنت تقود السيارة في طريق مزدحم، وأبلغتك زوجتك أن طفلتك الجميلة “أريج” مزقت كراسة الرسم لشقيقتها الصغرى “آلاء”؛ فلا تنزعج، ولا تنزعج أيضا إذا أبلغتك إدارة مدرسة “أريج” بأن ابنتكم “شقية” وتتشاجر مع زميلاتها وتتعامل معهن على طريقة “توم وجيري”؛ فتلك طبيعة في غالبية أطفال العالم ما لم يتحول الشجار إلى عراك، أو “ظاهرة مرضية”، فالشجار بين أطفال العائلة ظاهرة لا يمكن تلافيها بالرغم من كل ما فيها من سيئات، إلا أنه يمكن الاستفادة من بعضها للوصول إلى إيجابيات معينة في شخصية الطفل ما دام لم يصل الشجار إلى مرحلة الإيذاء النفسي أو البدني. ولا تقتصر ظاهرة الشجار على الأبناء في المنزل بسبب رغبة أحدهم في الحصول على لعبة معينة في حيازة الآخر، بل تمتد الظاهرة إلى الشارع والمدرسة والنادي، وإن كان البعض يعتبرها مجرد “لعب عيال” يتعلم من خلالها الطفل كيفية الدفاع عن النفس، كما يمكن من خلالها التعبير عن المشاعر الكامنة، في حين يعتبرها علماء علم النفس والتربية حالة غريزية وفطرية لدى الطفل، لكن إذا زادت الحالة عن حدها وتكررت ورافقها عنف؛ فإنها عندئذ تستدعي القلق والمعالجة النفسية السريعة. أسباب الشجار في تحليلها لغريزة الشجار بين الأطفال ترى الدكتورة بسمة عماد إبراهيم اختصاصية علم اجتماع أن الشجار بين الإخوة يحفز الطفل ليفكر في بدائل عن القتال والمهاترات التي لا تغني ولا تسمن من جوع، والتي يكون فيها الكل خاسرين، مشيرة إلى أن الشجار بين الإخوة ظاهرة لا يكاد يخلو منها بيت لأسباب متعددة؛ مثل اختلاف وجهات النظر بين أطفال العائلة حول مسألة معينة أو للتغلب على الملل، والتعب، والجوع، وفي بعض الأحيان للحصول على اهتمام وحب الوالدين، وأحيانا تكون لفرض سيطرتهم أو ممارسة السلطة على الطفل الأصغر خاصة إذا كانت بنتا، وعلى الأم في حال الشجار بين الإخوة إدراك أن المشاعر العدوانية أكثر سوءا، وعزت أسباب التشاجر بين الإخوة إلى الغيرة، والشعور بالنقص، واضطهاد الكبار، وانشغال الأبوين عن الأطفال، مع العلم أن الشجار يزداد في حال انشغال الأهل بالأعمال المنزلية أو الذهاب للتسوق وترك الأطفال بمفردهم. وعن الدور الذي تقوم به الأم حال نشوب شجار بين أطفالها خلال حضور الأب خارج المنزل ترى الدكتورة بسمة ضرورة تدخل الأم لفض المشاجرة إذا لاحظت أن أحد الأولاد عرضة للإصابة بأذى جسدي، وذلك بأن تنادي عليهم بالتوقف عن الشجار فورا، وألا تصرخ بصوت عال إذا كان الشجار عاديا، وعليها بعد تحقيق الهدوء أن تقضي وقتا قصيرا في الاستماع إلى كيفية بداية المعركة، حتى تصل إلى القصة الصحيحة، كما أن عليها أن تشعرهم بأنها قاضية محايدة وعادلة، وأن تغرس فيهم قيم العدل ومناقشة الأمور بهدوء. مشكلة وعلاج ولكي يتمكن الوالدان من التقليل من مشاجرات الإخوة تنصح الدكتورة بسمة الآباء والأمهات بتلبية الحاجات الأساسية للأطفال؛ مثل إعطائهم وجبة صحية خفيفة، ودمجهم في نشاطات ممتعة ومفيدة؛ مثل ممارسة الرياضة أو الرسم أو قراءة قصة، أو المشاركة في لعبة، وأن يحرصا على قضاء بعض الوقت مع الأبناء والتحدث إليهم، وإعطائهم فرصة للتعبير عن مشاعرهم بصراحة وعدم كبت مشاعرهم الغاضبة وعدم التقليل من شأنها، وخلق مواقف للتعاون بين الأبناء، وإعطاء جوائز لمن يحسن التصرف، كما يجب تجنب عقد المقارنات بين الأبناء التي قد تسبب اضطرابا في نفسيتهم وتوترا في علاقاتهم فيظهرونها في الشجار، مع تدريب الأبناء على التفاوض. وتشير الدكتور بسمة إلى أن كثيرا من الدراسات العلمية تعتبر شجار الأطفال مشكلة تحتاج لعلاج وتتطلب استشارة نفسية عاجلة إذا كان سلوك الطفل غير طبيعي ويتكرر دوريا وليس مرة أو مرتين أو ثلاثا، وأن يختلف سلوكه عن سلوك ومشاعر من هم في سنه، وأن تعمل المشكلة على الحد من كفاءة الطفل في التحصيل الدراسي واكتساب الخبرات، وتعوقه هذه المشكلة عن التعليم. غير أنها تستدرك بقولها: “لكن قد يصرف الشجار بين الأبناء جزءا من طاقة الطفل المختزنة، وينفس عن حالة كبت لا يستطيع الطفل البوح بها خوفا أو حياء، فيقوم بتصريفها في اتجاه إخوته شتما أو ضربا أو ركلا، وهو الاتجاه الذي يقدر تصريف طاقته فيه، بدلا من أن يصرفها في اتجاهها الحقيقي وهو الأب أو الأم أو أحد الكبار بصفة عامة، ووظيفة الشجار هنا أشبه ما تكون بألعاب الطفل الخيالية، التي يعبر فيها الطفل بأمان عن نفسه، ومشاعره”.