داخل مراكز غسيل الكلى بالمستشفيات تصافح عيون أولئك المرضى الذين سُلبت منهم وظائف الكلى فأصبحوا تحت وطأة جهاز يمتص دماءهم على مدى ثلاث ساعات أو أكثر، وهم فئة ابتلاهم الله بهذا المرض، ولكنهم رغم ذلك يقاومون اليأس بابتسامة الحياة، ويلوح في أعينهم ألف أمل يرسم من بعيد معاناة من فقدوا أعضاء مهمة في أجسادهم. الصبر هو العنوان الأبرز لمن سلموا أجسادهم لأجهزة تغسل كلاهم، وتخلصها من السموم، وأصبح ذلك الغسيل سلوكا علاجيا ملازما لهم، بخضوعهم لذلك لمدة ثلاثة أيام كل أسبوع، بما فيها من رهق الألم ومعاناة الشعور بتعطل إحدى أهم الوظائف الحيوية بالجسم. مرضى صابرون “ب. خ” يشير إلى أنه للعام السابع يقوم بغسيل الكلى وسحب الدم والسموم من جسمه، وهو يقاوم الألم بابتسامة الأمل، قائلا: “نحن تحت وطأة هذا الجهاز الذي يمتص دماءنا لمدة تزيد على أربع ساعات يوميا، فالكلى عضو مهم وضروري في جسم الإنسان، ولله ما أعطى ولله ما أخذ، وهذا ابتلاء من الله عز وجل”، ويضيف بابتسامة عريضة: “الحياة حلوة، وأنا أخوك”. بينما يقول “و. ق” الذي يبلغ من العمر 26 عاما بابتسامة مشرقة ملؤها الإيمان بالقضاء والقدر، والتسلح بالصبر: “الحمد لله أولا على ما قدر لنا هذا المرض والابتلاء، ولا شك أنها معاناة كبيرة وأنت تفقد أحد أعضائك ووظائفه المهمة”، مشيرا إلى أنه في بداية المرض كانت لديه مشاكل في المسالك البولية، وقد راجع العديد من المستشفيات التي أعلنت في نهاية المطاف من خلال التقارير الطبية عن إصابته بالفشل الكلوي. ويضيف: “ها أنا ولمدة عشرة أعوام أقوم بغسيل الكلى ولمدة ثلاثة أيام في الأسبوع، لكي يتم طرد السموم من جسمي النحيل، والحمد لله أن جميع الكادر الطبي بوحدة غسيل الكلى يساعدوننا، فألفناهم وألفونا، وأصبحنا أصدقاء وأخوة”. انتظام الغسيل للفشل الكلوي تعقيداته الطبية في العلاج والمتابعة، وهو من الحساسية بما يجعل نظام العلاج دقيقا وحذرا، يقول الدكتور حازم عز الرجال، طبيب عام إن مرض الفشل الكلوي يكون على قسمين، فهناك الفشل الكلوي المزمن والفجائي “الحاد”، ويكون المزمن على فترة طويلة، ويكتشفه المريض بإجراء التحاليل وغالبا ما يكون لديه مرض السكري أو الضغط، ويستخدم أدوية تؤدي إلى إصابته بالفشل الكلوي مثل استعمال المضادات الحيوية أو مسكنات الآلام. ويوضح عز الرجال أن الإصابة بالفشل الكلوي الفجائي “الحاد” تكون بحصيات في الكلى تنتج عن أملاح الكالسيوم أو اليورك إسك، وكذلك تنتج الإصابة بنقص الدم في الكلى والذي يكون عن طريق نقص حاد في وظائف القلب، أو نقص حاد في السوائل، أو إصابة الكلى بالتهابات بكتيرية. وينصح مرضى الغسيل الكلوي بالانتظام على مواعيد الغسيل، والابتعاد عن الأدوية بدون وصفات طبية، وكذلك الابتعاد عن الأكل الذي يحتوي على أملاح البوتاسيوم والصوديوم مثل الموز والتمر، إضافة إلى الإقلال من أكل البروتينات. خطر الوجبات السريعة من جانبه يقول الدكتور محمود شعبان، استشاري الأمراض الباطنية: “في البداية نحذر من تفشي بعض السلوكيات الغذائية الخاطئة في المجتمع السعودي، والتي قد يصبح بعضها مصدر خطر على كُلى الإنسان، فبعض العادات والسلوكيات الغذائية الخاطئة أخذت تنتشر بصورة كبيرة ومفجعة في المجتمع العربي برمته، الأمر الذي تترتب عليه العديد من المخاطر الصحية، فالانتشار الواسع للوجبات الغذائية السريعة بما تحتويه من مواد ضارة كالدهون والزيوت وخلافه، والإفراط الشديد في تناول البروتينات الحيوانية، والتهافت على استخدام الخلطات العشبية غير المصرح بها من وزارة الصحة، والأخطر هو مكسبات اللون والطعم الموجودة في كثير مما يتناوله أطفالنا”، مشيرا إلى أن الوجبات السريعة تؤدي إلى سمنة مفرطة وهي سبب مباشر لتفشي عدد من الأمراض كالسكري وارتفاع ضغط الدم وأمرض الجهاز التنفسي والدهون والكولسترول وأمراض القلب، وتفشي هذه الأمراض قد يؤدي إلى انتشار الفشل الكلوي بدرجاته المختلفة، والتي يحتاج بعضها إلى غسيل كلوي بما يترتب عليه من عبء نفسي واقتصادي على المرضى خاصة وعلى المجتمع عامة، إضافة إلى العامل الأهم وهو الصحة العامة للمرضى. تطور أجهزة الغسيل ويؤكد الدكتور شعبان أن أهم العوامل التي تعد مصدرا للإصابة بالفشل الكلوي في المجتمع العربي عامة والسعودي خاصة، هو كل من مرض السكري ومرض ارتفاع ضغط الدم، مشيرا إلى أنه علينا التنبيه إلى أن عدد مرضى الفشل الكلوي في تزايد مستمر، حيث تبين آخر الإحصائيات أن هناك أكثر من 9000 مريض يخضعون للغسيل الكلوي في السعودية، فيما يصل عدد الذين يعانون من أمراض الكلى، ولم يصلوا بعد إلى مرحلة الفشل النهائي إلى عشرات الألوف، محذرا من مدى خطورة مرض الفشل الكلوي وتأثيره في جميع وظائف الأعضاء وأداء الإنسان وتأثيره في حياته والمجتمع ككل. وطمأن مرضى الكلى لحدوث تقدم كبير في علاج أمراض الكلى، حيث تطورت أجهزة الديلزة الدموية والبريتونية، واستحدثت أدوية جديدة، خاصة حين يتم الكشف المبكر عنها في الفحوص الضرورية التي لا بد أن يحرص عليها مرضى السمنة المفرطة والضغط والقصور الكلوي، مما قد يساعد على منع تدهور القصور الكلوى البسيط في درجاته الأولية إلى فشل كامل بضغوطه الصحية الهائلة على المريض مما يشل من قدرته على تحديات الحياة، وكونه عضوا فعالا ومهما في المجتمع بأسره. الأمراض كفارة ذنوب ويقول الدكتور فهد العريني، الأستاذ المشارك بكلية الشريعة بجامعة أم القرى: “هذه الأمراض منح من الله عز وجل تكفر بها السيئات، وترفع بها الدرجات والأجور، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “من يرد الله به خيرا يصب منه”، ويقول صلى الله عليه وسلم: “لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة”. ويوضح الدكتور العريني أن الأمراض كفارات للذنوب، فعلى المؤمن أن يحتسب الأجر، وأن يصبر، وقال صلى الله عليه وسلم: “عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له”.