على الرغم من ارتباط صباحات العيد في ذاكرة الكثيرين منا بالذبح والسلخ وحد السكاكين والسواطير، وأكل الكبدة وشواء لحم “الذبيحة”، إلا أن هناك فئة تعيش خارج هذه الذاكرة، ويرتبط عيد الأضحى لديها بمشاعر مناقضة تماما لمشاعر البهجة والفرح التي تعم الجميع، فهم لا يستطيعون التعامل مع الذبح وتبعاته من منظر الدم وعمليات السلخ والتقطيع، ومع أن معظمهم يحتفلون بالعيد في طقوسه الأخرى، إلا أنهم يبتعدون ليس فقط عن مشاهدة ذبح الخروف بل عن أكل اللحم أيضا، ولكل منهم أسبابه التي قد تكون وراءها قصة أو واقعة حدثت في طفولته، وربما تكون مجرد حساسية زائدة تجعلهم لا يتحملون تلك المشاهد...”شمس” توغلت داخل عالم تلك الشريحة من “أصدقاء الخروف” كما رصدت آراء مقربين منهم وبعض الذين نكصوا عنهم: نعم للملوخية لا للمرق تحدث علي حسن بمرح عن شقيقه الذي يرفض رفضا باتا أكل اللحوم، كما يرفض مناقشة الموضوع من أساسه. ويواصل حسن” حاول الوالد والوالدة إقناعه أكثر من مرة ولكن دون جدوى”، وأضاف ضاحكا:كانت أيدينا يوم العيد مضمخة بدسم اللحم والمرق، بينما اكتفى شقيقي بتناول أطباق الملوخية والبامية”. وعن سبب ذلك قال إن شقيقه عندما كان طفلا “تعقد” من منظر الدم والذبح، وكبر والصورة لا تزال عالقة في مخيلته. نباتي مع سبق الإصرار أما علي العبدالله فيقول إنه “نباتي” منذ خمس سنوات، ولا يأكل اللحمة لا في العيد أو في غيره، وأردف العبدالله” في صباح العيد الماضي أتتني أمي بصحن من كبدة الخروف، فأفهمتها بأنني نباتي، فإذا بها تطلب مني أن أذهب لأعالج نفسي من هذه الحالة”، واستطرد:” حاولت أن أوضح لها موقفي من أكل اللحوم والكائنات الحية، إلا أنها لم تقتنع، وعلى الرغم من الصدامات التي تحدث بين حين وآخر مع الأهل والأصدقاء إلا أنني مصر على موقفي”. تبحث عن زوج نباتي!! “نهار العيد في بيتنا مأساة” هكذا تصف نوف عبدالرحمن رؤيتها للعيد، وتزيد بأنها قبل العيد بليلة، تنظر إلى خروف العيد بحزن، فتذهب للنوم في الصباح، ولا تستيقظ إلا بعد إزالة آثار الذبح وغسل مكانه، وقالت:” أستخدم العطور والبخاخات في غرفتي حتى لا أشم رائحة الدم واللحم، لأنني أصاب بغثيان وينتابني شعور حزين”، وتابعت:” لست أنا الوحيدة وكنت أظن نفسي كذلك، حتى وجدت عددا من صديقاتي يحملن الشعور نفسه”، وعند سؤالها عما إذا كان في نيتها تغيير هذا الطبع ذكرت أن هذه الحساسية المفرطة تشغل بالها كثيرا، وتتمنى ضاحكة بأن يكون زوج المستقبل نباتيا مثلها. لا تذبحوا في بيوتكم (أبو محمد) علق على موضوع (أصدقاء خروف العيد) قائلا:” أنا لا أذبح في البيت إطلاقا حتى لا يتعرض الأطفال لمثل هذه المواقف، لأنه مهما كان الطفل فإنه لا يتحمل رؤية الدماء، وأنصح الآباء بذلك، على الرغم من أن الكثيرين يتهاونون بهذا الشيء”، وواصل” هناك بعض الأسر تجلب (الخرفان) قبل العيد بأيام فيتودد لها الأطفال، لأن نفوسهم رقيقة بالفطرة، وعندما يستيقظون على رؤية منظر الذبح والتقطيع فإنهم ينفرون من أكل لحمها، ويشعرون بألم قد يزول مع الوقت وفي بعض الأحيان يظل راسخا في أذهانهم ونفسياتهم”. هزمني المضغوط! الشاب محمد بن أحمد ذكر أنه حاول كثيرا أن يكون نباتيا إلا أنه يفشل كل مرة أمام القدر المليء بالمضغوط، وقال:” حقيقة أشفق على حال الإخوة والأخوات النباتيين، لأنني عندما مررت بتجربة شهر مع (النباتية) تعبت كثيرا، بعدها اضطررت إلى أن أغير برنامجي الغذائي”، وأضاف:” صعب جدا خصوصا إذا كان الشخص متعودا على ما لذ وطاب من الخيرات والنعم”، وذهب محمد بعيدا عندما أوضح أن النباتيين محرومون من (شغلات) كثيرة مثل جلسات (الشواء) العائلية، ورحلات البر والقنص، واختتم حديثه بأمنياته الصحة للجميع وعدم الإفراط والتفريط في الجوانب الغذائية.