أدت عملية التسلل التي قام بها الحوثيون، التي أشعلت نيران الحرب مع القوات السعودية، إلى إخراج أهالي نحو 33 قرية تقع ضمن نطاق محافظة الحرث والشريط الحدودي، بما فيها مدينة الخوبة، وبلغت أعداد المُجلين من هذه القرى أكثر من 20 ألف نسمة تم إخراجهم من منازلهم كي يكونوا بمأمن من خط النار الذي تدور حوله الاشتباكات بين القوات المسلحة والمتسللين من الحوثيين وغيرهم. وإلى جانب ذلك، أغلقت 25 مدرسة، كما عمّت الفوضى في عدد من المراكز الصحية والمستشفيات، وقال مواطنون: إنهم لم يتمكنوا من إتمام مواعيد مراجعات طبية لهم. إضافة إلى كم الخسائر المادية التي عاناها ساكنو الطرف الحدودي، ممن تعتمد حياتهم على رعي الأغنام، الذين فقدوا قطعانهم خلال العمليات الحربية القائمة الآن على الحدود الجنوبية الغربية. ومنذ إعلان المواجهات المسلحة استطاع ذوو الدخل الجيد الابتعاد عن مسرح الأحداث، واللجوء إلى أقاربهم في مدن بعيدة، أو استئجار شقق تؤويهم بعيدا عن مناطق القتال، ولكن ذوو الدخل المحدود لم يجدوا أمامهم سوى خيام الإيواء. وكانت الجهات المعنية المدنية في المنطقة، وبينها الدفاع المدني والهلال الأحمر والجمعيات الخيرية، أنشأت مركز تحكم وتدوين للأسر النازحة، وأقامت خياما مؤقتة بعيدة عن موقع الصراع (البيضاء 7 كم غرب الخوبة) وتم إجلاء عدد من القرى القريبة من جبل دخان، ومع ارتفاع وتيرة المناوشات تم إجلاء سكان بقية القرى التي وصلتها دائرة الصراع. النزوح والتشرد حسين هزازي (70 سنة) وأفراد أسرته البالغ عددهم 12 فردا، قال ل “شمس”: إن الحرب وعمليات التسلل المخيفة اضطرته للنزوح من قرية (قوا) تاركا خلفه معظم أغراض منزله البسيط المبني من الطين والخشب، فلا يملك غير 20 رأسا من الغنم، ولديه ستة أبناء. وقال: إنه كان يجني قوت يومه من أرضه الزراعية، بالإضافة إلى الاحتطاب، ومع اندلاع الحرب لم يكن من الممكن مواصلة أي من النشاطين، لا الزراعة ولا الاحتطاب. وأضاف: “كان من المتوقع أن نعيش وضعا مأساويا، إلا أن القائمين على المخيمات وفروا لنا الوجبات الأساسية والماء والفرش، ولكن ما زلنا نعيش خارج الديار، وهذه أكبر المتاعب، وأكبر المصائب التي تقض مضاجعنا، وكلنا أمل في وقف هذا الاعتداء وإعادتنا إلى منازلنا حتى تعود حياتنا الطبيعية” زواج منصور ومن ضمن أفراد الأسرة التقينا الشاب منصور، الذي قال: إنه كان يعد لحفل زواجه الذي كان من المفترض إقامته يوم الخميس الماضي، غير أن بدء العمليات الحربية واضطرارهم للنزوح من قريتهم ألغى مشروع الزواج في هذه الآونة (إلى أجل غير مسمى). وأضاف: “الملابس وثياب الزفاف تركت في المنزل، وأعتقد أنها قد سرقت من قبل المتسللين الذين ينهبون كل شيء في سبيل توفير مأكلهم ومشربهم”. أصابوه ودمروا منزله المسن محمد بخيت، أنقذه الهلال الأحمر بعد أن أصيب بفعل مقذوف دمر منزله في قرية القرن المجاورة لجبل دخان. وقال: إن إصابته وقعت بفعل الحجارة المتناثرة التي ضربها المقذوف الحربي، وأصيب برضوض في مناطق متفرقة من جسده، وهو يتلقى الرعاية حاليا في المخيمات. وأوضح بخيت: “ضحايا الاعتداء أربع وفيات من جيراني، وما يزيد عن 12 إصابة، إلا أن لطف الله بي أنقذني من القذيفة التي دمرت كل ما أملكه من منزل ومراكب لأبنائي، ولم أعد أملك إلا خيمة أسكن فيها حاليا بجوار أبنائي الذين نجاهم الله لعدم وجودهم وقت الحادثة”. مزارعون يحنون لأراضيهم ويظهر أن أكثرية ساكني مخيمات الإيواء هم مزارعون وفلاحون ورعاة، وقال كل من علي مجرشي وحسن شراحيلي: إن الأيام الأربعة الماضية علمتهم قيمة الأرض ورائحتها الزكية وحلاوة اللقمة التي كانوا يسعون لأجلها، ويضيفون بأن استمرار الأوضاع الحالية ببعدهم عن أراضيهم، قد تهلك الزرع وتفسد المحاصيل؛ ما يعني كساد موسم زراعي وذهاب رزق عام كامل، ووضعهم في موقف لا يحسدون عليه بسبب الحرب واعتداءات المتسللين. وتعد المنطقة الزراعية الواقعة بين مركز الخشل شرق جازان، ومحافظة الحرث والقرى الحدودية، وعلى مساحة 15 كم2، مكانا تشكل الإقامة فيه خطرا مؤكدا في هذه الأيام، مع الاعتداءات وعمليات التسلل.