للسجون وحشتها وقسوتها، يقضي فيها الإنسان المحكوم الأيام والسنوات، وربما يقضي فيها زهرة شبابه جزاء خطأ حدث دون أي تقدير للعواقب.. غير أن القضبان قد تمنح السجين فرصة حياته التي لا تتكرر عندما تسمح له بخلوة مع نفسه، يراجع خلالها مسيرة حياته، خصوصا علاقته مع ربه ودينه ليعدل مساره ويمضي على الجادة الصحيحة. فالسجن حتى لو كان في قصر مشيد هو تقييد للحرية وللحياة بغض النظر عن كونه عقوبة، والسجين نتيجة لوضعه يعيش حالة نفسية صعبة؛ ومن ثم لا بد من إصلاحه ليتحقق الهدف من العقوبة. ومن آليات الإصلاح إنشاء المشاريع داخل محيط السجن، حيث يتولى رجال الأعمال تبني بعض الأفكار التي من شأنها أن تحقق الأهداف الإصلاحية من خلال تلك المشاريع، وهذا يعني أن السجين عندما يفرج عنه ذات يوم يكون مؤهلا بالفعل ليشغل عملا معينا يكسب من خلاله رزقه ويسهم في خدمة مجتمعه؛ حيث إن السجناء من شرائح المجتمع ولا بد من إصلاحهم وإعادتهم إلى أسرهم أعضاء فاعلين ينفعون أنفسهم من خلال تأهيلهم وتدريبهم. لوم.. وعدم تفاعل بطء تفاعل رجال الأعمال مع الأفكار الإصلاحية التي تؤهل السجناء، بتبني تنفيذ المشاريع التي يعملون بها، يثير كثيرا من علامات الاستفهام لدى المعنيين بإدارة السجون الذين وفروا كل المعينات اللازمة للتنفيذ، غير أنهم فوجئوا بعدم تفاعل رجال الأعمال معهم. يقول العميد عبدالله بن علي البوشي المدير العام للسجون بالمنطقة الشرقية: “إنني أضع اللوم على الشركات والمؤسسات ورجال الأعمال في المنطقة الشرقية في عدم التفاعل مع إدارة السجون في استثمار الأراضي للاستفادة منها وإقامة مشاريعهم عليها مجانا لمدة عشر سنوات التي تبلغ مساحتها 400 ألف كيلومتر مربع، وأيضا عدم الاستفادة من الأيدي الماهرة التي توفرها معاهد التدريب داخل السجن؛ حيث لا يوجد سوى مصنع واحد للأثاث فقط هو الذي استثمر أرضا داخل السجن، وتم في سنوات ماضية مخاطبة رجال الأعمال والغرفة التجارية عن طريق خطابات رسمية، ولكن لم يصلنا أي تجاوب من قبلهم”. وأضاف: “الهدف من إقامة المصانع داخل محيط السجن هو تعزيز ثقافة روح العمل للسجناء وأسرهم، والوقوف بجانبهم ودعم المشروعات الصغيرة لديهم من خلال زيادة فرص العمل والاعتماد على أنفسهم، وهذا العمل سيساعدهم بشكل فعال على خفض معدل البطالة ويفتح لهم مجالات عمل جديدة للحد من ظاهرة الاعتماد على الآخرين”. لا طلبات للاستثمار من ناحيته، ينفى عدنان النعيم الأمين العام للغرفة التجارية الصناعية بالمنطقة الشرقية ما ورد على لسان المدير العام للسجون، بقوله: “لم نتلق أي طلب من إدارة السجون بالمنطقة الشرقية بخصوص إنشاء مشاريع تفيد السجين وأسرته خلال فترة عملي الحالية”. وأضاف النعيم: “لا بد أن تكون هناك أفكار ورؤية وإيضاح عن الكيفية التي سيستفيد السجين بها من إنشاء هذه المشاريع حاليا ومستقبلا بعد أن ينهي محكوميته، من خلال تقديم فكرة يتم فيها شرح أهداف المشروع، كما أن أبواب الغرفة التجارية ورجال الأعمال في الغرفة مفتوحة للجميع لما هو في مصلحة السجناء وأسرهم”. وتابع: “هناك لجنة مكونة من قبل إمارة المنطقة، إضافة إلى بعض رجال الأعمال لهذا الغرض؛ حيث إنهم حريصون على مثل هذه المشاريع التي تفيد السجين، وتم من خلالها إنشاء مشروع السريع والموسى داخل السجن”. تعزيز ثقافة العمل المهندس مصطفى الماضي مدير مصنع السريع والموسى، الوحيد داخل محيط السجن، يقول: “هناك تعاون مثمر بين الإدارة العامة للسجون وكافة مديرياتها في المناطق والعديد من القطاعات الأهلية لتحقيق الأهداف المرجوة؛ حيث أنتج المصنع خلال شهر على أيدي السجناء أكثر من 200 طقم من جميع الموديلات”. وأضاف: “مصنع السريع والموسى حقق نتائج جيدة في إنتاج السجاد والكنب والستائر وغيرها الكثير من المنتوجات الأخرى، حيث لا بد من استغلال كثير من الفرص الاستثمارية لإنشاء المشاريع للسجين؛ إذ تعود بالفائدة عليه ومن الممكن أن يكون أحد موظفيها الرسميين في المصنع بعد الانتهاء من محكوميته”. وأكد الماضي: “عندما يتم توظيف السجين في المصنع لدينا يتقاضى راتبا قدره 1500 ريال شهريا، من خلال ثماني ساعات عمل، حيث يتواجد في المصنع ما بين 60 و40 نزيلا ممن يعملون في المصنع حسب محكومية النزيل، إضافة إلى العمال الموجودين في المصنع ويبلغ عددهم 35 عاملا”.