هروب الفتيات من أسرهن، واللجوء إلى دور الحماية، أو الأهل والأقارب، أو أية جهة أخرى، من المشكلات التي تحتاج إلى معالجات خاصة، وليست على طريقة (داوني بالتي كانت هي الداء) فالعنف ليس وسيلة للعلاج، بل العلاج في تغيير مفاهيم التربية، فأبناؤنا اليوم ليسوا كالأمس، خاصة مع التطورات الحادثة في العالم، والتغيرات في البنية الفكرية والثقافية التي حملتها رياح القرية الكونية. العنف الأسري تؤكد بعض الدراسات أن العنف الأسري يعد أحد أهم الأسباب لهروب الفتيات، وهذا ما أكدته إفادات بعض الهاربات اللاتي تعرضن للعنف المادي والمعنوي، خاصة من قبل الآباء. تقول (س. م - 30 سنة): إنها هربت من منزلها أسبوعا، ومكثت عند خالتها من دون علم والدها، وحاولت الانتحار بعد أن أرغمت على الزواج من رجل لا تريده. وأضافت أن خالتها أسرعت بإخبار والدها الذي أعادها وضربها وحرقها بالنيران، ثم اتصل بخطيبها وطلب منه تحديد موعد الزواج، ثم وضع بصمة إبهامها على ورقة المأذون. وقالت: “هربت ثانية يوم زواجي، ووقفت عند حافة أحد الآبار، وصحت بأعلى صوتي حتى يسمعني الجميع، والدي وزوجي والمدعوون، وطلبت منهم منع زواجي، أو أن أرمي نفسي داخل البئر.. فما كان من زوجي إلا أن طلقني أمامهم”. أما (م . م) الطالبة بإحدى المدارس الخاصة في منطقة مكةالمكرمة، فقد اتهمها والدها بسوء الأخلاق بعد أن اضطرت للركوب مع زميلتها في سيارة والدها المسن لتعود إلى منزلها لما تأخرت حافلتها، ولم يبق أحد في المدرسة من الطالبات. وقالت: إن والدها أوسعها ضربا في الشارع، ومزّق كتبها، وسحبها على وجهها إلى المنزل، وسبّها واتهمها بأنها غير سوية، ومنعها من الذهاب للمدرسة لمدة طويلة، ولم يتقبل عذرها.. فلم تجد مفرا سوى الهروب إلى المدرسة مع شقيقها الأكبر، إلا أن والدها أبلغ الشرطة، وبدأ الناس في البحث عنها، فاضطر شقيقها لإخباره بالحقيقة، لكنه لم يتقبل الأمر إلا بعد تدخل أعمامها وأشقائها، لكن بعد أن تلطخت سمعتها، حسب تعبيرها. ما زلنا بعيدين عن أبنائنا من جانب آخر، طالب الدكتور عبدالله محمد الجفن أستاذ الثقافة الإسلامية، المدرب المعتمد في مركز الملك عبدالعزيز الوطني للحوار، في حديثه ل “شمس” بضرورة إدخال (ثقافة الحوار مع الأسرة) كمادة تعليمية أساسية ضمن مناهج تعليم البنات، حتى تتعرف الفتاة على كيفية طلب حقوقها من وليّها، من خلال طرح سلس، كأن تجلس إلى والدها وتحاول إقناعه بأهمية حصولها على حقوقها المضبوطة بأسس الدين والشرع. مضيفا أنه لا يتصور أن تهرب فتاة من منزل وليّها إلا أن تكون مظلومة داخله. وطالب الجفن وسائل الإعلام بالوقوف مع فتياتنا، مشدّدا على أئمة المساجد أن يثقفوا الناس بحقوق المرأة، وينشروا أساليب الحوار بين أفراد الأسرة في خطب الجمعة. ليس ظاهرة أما الدكتور علي الحناكي مدير الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكةالمكرمة رئيس اللجنة الاجتماعية لحماية الأسرة، فقال ل “شمس”: “إن هروب الفتيات في السعودية لم يبلغ حد الظاهرة، كما أبانت دراسة شاملة أجرتها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالتعاون مع جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية”. ولفت إلى أن أكثرية الفتيات الهاربات يوجدن في جدة والرياض والدمام، أما أسباب هروبهن فتنحصر عادة في كون ولي الأمر مدمنا للمخدرات، أو يعاني اضطرابات نفسية، أو تزويجهن لرجال أكبر منهن بعقدين أو ثلاثة. وقال: “إن الفتاة تكبر ويكبر معها احتياجها إلى العطف والرأفة، فإذا تحدثت إليها والدتها أو والدها بعبارات جارحة؛ فإن ذلك يؤلمها أشد الألم، وعندما تلجأ إلى شقيقها يقابلها باللكمات والركلات والتهميش.. وبالتالي فإذا وجدت ذئبا بشريا يسمعها معسول الكلام، فقد تستجيب لطلبه بالخروج معه لساعة أو ساعتين، ثم قد يتكرر الأمر ليوم أو يومين، وهكذا”.