تهكمات ذهنية وأسئلة مشنوقة على علامات الاستفهام المختلفة حول مكاتب استقدام العاملات المنزلية، وما يحدث فيها من مفارقات للخادمات المصفوعات بحنين الغربة وفراق الزوج والأم والأب والابن والوطن حال وصولها منزل كفيلها ورفضها العمل. بعضهن لا يستطعن مقاومة اجتياز مرحلة التجربة لضعف المرأة عموما، ولعدم تكيّفها مع البيئة إلا بعد جرعة المكتب التثقيفية والنصح والإرشاد للعمل. “شمس” بحثت السر وراء انفتاح شهيّة الخادمة للعمل لدى مكفولها بعد الجرعة التنشيطية من المكتب الذي قدمت عن طريقه، وهي جرعة يسميها أصحاب المكتب بالتثقيف المنزلي فيما هي في الواقع ضرب ووعيد وتهديد. شبح يطارد الخادمة فايز الدويحي، كفيل لشغالة منزلية إندونيسية الجنسية، يقول: “لن أحكي فصول معاناتي مع مكاتب الاستقدام من تحصيل المبلغ إلى المواعيد المطّاطية لوصول الخادمة، والتزامه بإحضارها في الوقت المحدد بحسب شروطي وما يقدمه من تسهيلات فائقة لحين استلامها، وما إلى ذلك من ادعاءات لا صحة لها بنسبة 60 في المئة، ولكن سأكشف غطاء آخر وهو أنني فوجئت حال قدوم خادمتي الملوّعة بإنهاك السفر من بلدها إلى هنا وحيدة لا تعلم هل هي ستوضع في نار الكفيل وأسرته أم جنته في الدنيا، وقد اتصل بي المكتب ليخبرني أن الخادمة ستصل إلى المطار ضمن الرحلة برقم وتاريخ ويوم محدد لتسلُّمها من جوازات المطار، فاستقبلتها فور نزول الرحلة وأنهيت إجراءات دخولها، ثم ذهبت معي إلى منزلنا، وخلال إنزال عفشها البسيط لم تستطع مقاومة الغياب عن ذويها لتدخل في نوبات بكاء وتنطح برأسها جدار المنزل، ولا تزال على حالها منذ أسبوعين، فما كان مني إلا إرجاعها إلى المكتب الذي وفدت عن طريقه”. وأضاف: “خلال تشريح معاناة خادمتي للمكتب طلبت إرجاعها وإيفاد بدلا منها لشروط الاستقدام بيننا؛ الأمر الذي يكلّف المكتب مبلغا لا يريدون صرفه، فطلبوا مني تركها لديهم، إضافة إلى وضع رقم جوّالي، وأبلغوني حال الاتصال بي أنه يجب وصولي فورا، ولم أمكث سوى ساعة واحدة وعدت إليهم بعد اتصالهم لأجد الخادمة تريد العمل معي وهي مكرهة”، مشيرا إلى أنه لا يبرِّئهم من تعرض خادمته لضرب مبرح بغية العودة إلى منزلي ليكتفوا شر سفرها بالنسبة إليهم واستقدام غيرها، وهذا بلا شك يكلّفهم مالا”. ويتابع الدويحي: “عدت بخادمتي وهي تجهش بالبكاء إلى دارنا لتعمل وفق ما نطلبه منها بل تضيف إليه”، وقال: “لاحظت عليها الالتفات بسرعة والارتعاد أحيانا وكأن شبحا مخيفا يطاردها، ورافقتها هذه الحالات بعد العودة من المكتب حتى استقرت تدريجيا على حالها لسنتين ألحّت بعدها على السفر إلى بلدها وذهبت في إجازة ولم تعد مرة أخرى، وهذا بلا شك يفسّر كبتها للفترة السابقة خلال عملها لدي”. تثقيف منزلي ويشير أحمد إلى أنه استقدم خادمة إندونيسية، وكانت متديّنة في نظري ومتحجّبة، وهذا ما فرحت به؛ لحرصي على أن تكون كذلك، ولكن بعد وصولها إلى المنزل انقلبت حياتها إلى جحيم وأبت العمل وطلبت بعد أسبوع عودتها إلى بلدها وهي تبكي وتنوح وتضرب أبنائي الصغار لا شعوريا من شدة القهر، فخفت أن تموت بمنزلي لامتناعها عن الأكل والشرب وانطوائها بزاوية إحدى الغرف أو إلحاق الضرر بنا. ويضيف: “بادرت بالعودة مسرعا إلى المكتب الذي استقدمتها عن طريقه، وذلك قبل انتهاء فترة التجربة (ثلاثة أشهر)، وقلت لهم: “إن الخادمة رفضت العمل لدي وتريد العودة إلى بلدها، وإنني أطلب استقدام غيرها في أسرع وقت؛ نظرا إلى ظروف زوجتي الصحية، فطلبوا إبقاءها لديهم لحين الاتصال بي من قبلهم بعد سؤالي عدة أسئلة عن تصرّفاتها بالمنزل وعدد أفراد الأسرة وعدد الذكور والإناث، إضافة إلى أعمارهم ووجودهم بالمنزل”. وأشار أحمد إلى أنه كان يعتقد بنسبة 100 في المئة أنها لن تعود ولو مزّق لحمها على طاولة مكتبهم لإطلاعه على معاناتها المُرّة، ويقول: “لكن خلال عودتي إلى منزلي اتصل بي المكتب وأبلغني أن خادمتي تصر بقوّة على العودة إلى العمل لدي وأن عليّ التوجه إليهم حالا، فقلت لن أصدّق ذلك بتاتا، فما إن وصلت حتى رأيت خادمتي تكاد تطير من الفرحة وكأن شهيّتها انفتحت بزاوية 180 درجة مسرورة وممتلئة بالبهجة، ففرحت لحاجة زوجتي إلى الخادمة وتأكيدها ألا أعود إلاّ بخادمة، فشكرتهم كثيرا وسألت من باب الفضول عن العمل الذي اتخذوه حيال تسهيل سعادة خادمتي المكبّلة خلف أسوار العذاب”، فردوا: “اذهب أنت وخادمتك، وهذا الشيء إنما هو تثقيف منزلي أجدناه من واقع تجربتنا الطويلة”. وأشار أحمد إلى أن خادمته عادت إلى المنزل مطيعة ومبتسمة تنظّف الأسقف والجدران وملابس أسرتي وتغسل الأواني جيدا، وما إن بلغت ما يقارب ثلاثة أشهر حتى عادت إليها نوبات البكاء والاصفرار والأنين طوال الليل، فبادرت إلى المكتب وأقنعتهم مجددا بعزوفها عن العمل مطلقا ثم مكثت لديهم فترة وجيزة جدا وعادت مرّة أخرى معي بنفس القوّة للعمل. ويستغرب أحمد سرعة إقناع المكتب لها للشغل المنزلي بينما فشلت جميع محاولاته معها، وقال إنه أخذ وقتا طويلا يتساءل عن تلك الجرعة التي تعطى لخادمته.