سياسة الاحتكار التي تمارس من قبل بعض المؤسسات والشركات إحدى وسائل زيادة الأرباح، ودعاية غير مدفوعة الثمن، ويعود ذلك إلى التنافس على منافع الدنيا والضرب في الأرض، إلا أن السياسة التي اتخذها التجار نهجا في جني الأرباح انتقلت إلى أعمال الخير، فكثيرا ما نسمع أن خيمة الإفطار الرمضانية خاصة بالتاجر الفلاني، ويحضرها مئات الصائمين، كما تجد عبارة “نعتذر عن عدم استقبال موائد غذائية” من أدبيات هذه الموائد العامرة. وعرفت الكثير من المشاريع الخيرية من بناء المساجد والطباعة الكتب، بسياسة الاحتكار، ويأتي كل ذلك رغبة في زيادة استثمار الحسنات على مدى طويل وإعادة الأرباح خالصة من دون شركاء في الأجر، في الوقت الذي يقف فيه بعض المراقبين بين معارض ومؤيد. ظاهرة منتشرة يرى عبدالرحمن الزامل “المشرف على المناشط الاجتماعية في جامع الغيثي بالسويدي” أن ذلك التصرف تسرب بكثرة في مشاريع الخير، خاصة في بناء المساجد وموائد الإفطار الرمضانية، حيث قال: “إن الكثير ممن ليست لديهم القدرة في دفع ما يقارب من 70 ألف ريال على مائدة الإفطار لمدة شهر، قد يقف عاجزا عن المشاركة إلا بمبلغ بسيط على عدة وجبات، ودفعه إلى المطبخ المتعهد بتوفير طعام الإفطار”. وأضاف أن الأمر لا يختلف كثيرا في بناء المساجد، حيث تجد التجار يحتكرون المساجد التي تبنى، والكثير منهم لا يسمح بالمشاركة ولو بالقليل، وحتى رأيت بعضهم يشدد على عدم استقبال أي مواد عينية. وقال الزامل: “إن خير الله واسع، وعلى التجار عدم تضييق الخناق على من ليس لديه القدرة المادية الكافية”. المتبرعون قلة وذكر محمد ضيف الله “مؤذن جامع الحصين” أن السياسة المتبعة من التجار قد تكون في كثير من الأحوال في صالح مشاريع الخير، حيث إن التاجر يتكفل بعمل الخير من بدايته وحتى النهاية. وقال ضيف: “اضطررنا قبل ثماني سنوات إلى ترميم الجامع الذي زاد عمره على 50 سنة، حيث مضينا مدة طويلة في البحث عن متكفل وكل من تقدم ليس لديه إلا مبلغ بسيط، وبعد مدة تكفل أبناء الرجل الذي بنى الجامع بترميمه بمبلغ طائل، والتفاوض مع المقاولين والإشراف والتنسيق مع وزارة الحج والأوقاف، وتلك الخطوات تساعد في تسهيل أمور الخير بعيدا عن العشوائية في العمل”. الأجر لا ينقص واعتبر القاضي بالمحكمة العامة الشيخ سليمان الماجد الحجر على المسلمين وعدم السماح لهم بالمشاركة في عمل الخير من الجهل وقلة العلم، حيث أكد أن الأجر لا ينقص بمشاركة من أحد إخوانه الذي لا ينفق إلا جهده. وأضاف الماجد أن الأصل في الحكم على سياسة الاحتكار جائز، ولكن ينبغي على التاجر أن يراعي ظروف إخوانه، ويطيّب خاطرهم، ويعلم أن أجره بذلك أعظم، حيث يحصل على الأجرين الأول هو عمل الخير والثاني هو إدخال السرور على قلب أخيه المسلم، ونيته على القيام بالعمل من قبل كافية لحصول الأجر كاملا. في الوقت الذي حذر فيه الماجد من الرياء وطلب السمعة من الأعمال التي تحتكر من بعض التجار حتى يشار إليهم بالكرم. الفضل الواسع من جهته يرى الشيخ صالح المعيقل (داعية إسلامي) أن القيام بهذا الأمر مفيد من جهة، ومضر من جهة أخرى، فهو مفيد من ناحية توفير كل ما يحتاج إليه المسجد، بمعنى أن كل الطلبات مجابة، أما من الناحية الأخرى فإن احتكار الخير قد يحرم حصول أخيه المسلم من الأجر، وتفطير الصائمين من الأعمال التي تعد النية فيه أمرا مهما، والنبي صلى الله عليه وسلم، يقول: “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى”. فهنا يظهر أثر النية في الأعمال عموما، ورب عمل كبير تصغره النية، ورب عمل صغير تكبره النية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أيضا: “سبق درهم مئة ألف درهم”. والمقصود أن الرجل المتصدق بهذا الدرهم، قد سبق صاحب المئة ألف بنيته الصالحة. وأضاف المعيقل: لعل لمن أراد أن يشارك في مثل هذه الأجور ومُنع، تسلية من الله عز وجل بأن الإنسان يؤجر على قدر نيته، لو كانت خالصة صالحة، ولم يستطع أن يقوم بذات العمل. وحول مسألة: هل يلحق الإثم من طلب أن يقتصر التبرع عليه فقط؟ أكد الشيخ المعيقل أنه من الصعوبة القول بأنه يأثم، فلا دليل فيما أعلم، ولكن عليه كما قلت ألا يحجر واسعا، ويتذكر أن خزائن الله مليئة، ومتى كانت نيته حسنة، ويقصد أن إخوانه يلحقهم من الأجر أيضا؛ فله أجر آخر لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “الدال على الخير كفاعله”.