جمع الشيخ محمد بن سرار اليامي بين عدة مواهب؛ فهو داعية وكاتب وشاعر. وهو من أبرز الدعاة الشباب؛ فأسلوبه الجذاب ومؤلفاته المتنوعة جعلت لخطابه الدعوي نكهة خاصة. استضفناه هنا لنبحر معه في شخصيته الماتعة، ونكشف عن أسرار رمضان معه، ليجيبنا بسعة صدر؛ حيث كشف عن شخصيته بلا (رتوش)، مقدما إياها بكل بساطة ليقدم نموذجا للداعية المميز، الذي يحاول أن يقترب أكثر وأكثر ليرد عمليا على من يتهم الدعاة وطلبة العلم، بأنهم يتحدثون من برج عاجي.. فإلى الحوار. * ماذا يثير قدوم رمضان في نفسك؟ لرمضان ذكريات محببة في قلبي، وفي قلب كل مسلم، فإذا جاء رمضان عاد إلى ذهني أول عهدي بالصيام، وكنت في سن ال11، وكان والدايَّ الكريمان متعهما الله بالصحة والعافية حريصين على أن يحافظ جميع أفراد الأسرة على الصيام، وحقيقة لم أجرب الصيام الجزئي، وأدركت الصوم صغيرا في عز حرّ الرياض، وها نحن نعود إلى الصوم في الحرّ مرة ثانية. * كيف كنت تقضي أوقات فراغك في رمضان في تلك المرحلة؟ لم يكن في السابق أوقات فراغ؛ لأنني أذكر أننا كنا ننام وإخوتي في الوقت المعتاد؛ فلم يكن هناك فراغ أصلا، كان البرنامج من المدرسة إلى صلاة العصر، ثم الإفطار وصلاة التراويح، ومن ثم النوم حتى وقت السحور، وبالمناسبة نحن نسميه غداء، ولا نسميه سحورا، مع أن الأصل أن اسمه السحور. * وماذا كانت أدوات الترفيه عندكم؟ هل أدركت (البلاي ستيشن) مثلا؟ لا لست صغيرا إلى هذه الدرجة، كانت هناك بعض الألعاب الترفيهية، لعبة (الكيرم)، وهي اللعبة المفضلة لنا، وكانت أيدينا دائما تتورّم بسببها (قالها ضاحكا)، والترفيه كان أسريا؛ حيث كنا نلعب أنا وإخواني وأبي حفظه الله مع شيء من الشاي والقهوة، وفي جو ماتع، لكن الذي لا أنساه أن ابن عمتي هو من (طيحنا) في لعبة الكيرم، وجعلنا نمارسها بشكل معتاد ومتكرر. * لو سألناك عن (طقوسك) الرمضانية الخاصة.. فماذا تقول؟ حلوة كلمة (طقوس).. لكني أعد رمضان موسم تربية بالنسبة إليّ، وربما من خصائص رمضان عندي أنني أعود فيه طفلا، حيث أستقر عند الوالدين لأفطر معهما، وفي الأعوام الماضية كنت أعاني بُعد منزلهما عني، ولكني والحمد لله الآن أصبحت قريبا منهما؛ حيث أسدد فواتير الطفولة من خلال بري بهما، ووالدايّ حريصان جدا على هذا النظام، ولا يسمحان لي بتلقي دعوات الإفطار التي أستقبلها بين حين وآخر، ومن طقوس رمضان، البرنامج الخاص بإلقاء الكلمات في رمضان خلال ال20 يوما الأولى بشكل شبه يومي. * هل تحرص على الالتقاء ببعض الدعاة أو الزملاء في ليالي رمضان؟ نعم، أحرص بين الحين والآخر أن أدعو زملائي الأدباء لنستمتع معا بقراءة الشعر والاطلاع على كتب الأدب، ويدلي كل بدلوه، ولي إخوة نحرص على أن يلقى بعضنا بعضا بشكل متكرر، خصوصا في ليالي رمضان، ومثل هذه المجالس الأدبية والشعرية وما يدور فيها من ذكر مدارس الأدب ومواقف تاريخية وأدبية تعد أمرا ضروريا للترويح عن النفس، وشحنها لطلب العلم. * ما المظاهر الرمضانية التي تعجبك في رمضان؟ أولا: يعجبني رؤية مظهر الألفة وعودة التواصل بين الأسر المختلفة، أو حتى بين أبناء الأسرة الواحدة، الذين فرضت عليهم ظروف الحياة التباعد. ثانيا: تعجبني رؤية نماذج الشباب الذين يعمرون بيوت الله عز وجل وهذا ما لم نكن نشاهده من قبل، ولكن اليوم ولله الحمد أصبحنا نشهد بعض المساجد، ولا نجد مكانا حتى قبل أن تقام صلاة العشاء، وهذا يدل على خير كبير يكتنز في نفوس الشباب هؤلاء. ثالثا وأخيرا: هذا الخضوع والابتهال من المصلين، وبكاؤهم يثير فيك شعورا عجيبا؛ ما يشعرك بأنك خاضع وعبد لله الواحد الأحد. * وماذا عن السلبيات التي تزعجك رؤيتها؟ سأعطيك معلومة مهمة عني، وهي أنني لا أتحرك من البيت في رمضان في أوقات معينة، ولا أركب السيارة أصلا؛ لأن لدينا مثلا يقول (السائق عاقل وغيره مجنون). وهذه الأوقات التي أحرم القيادة فيها على نفسي (ليس تحريما شرعيا) هي أوقات الذروة سواء عند المغرب أو عند الفجر، وكم من عوائل ذهبت في مثل هذا الوقت؛ لذا أحرص على ألا أخرج في مثل هذا الوقت، وهذه من عاداتي في رمضان. * ما القرارت الأكثر تأثيرا في تكوينك؟ هناك عدة قرارات؛ منها “قرار الكتابة”؛ فالكتابة أصبحت منهج حياة بالنسبة إلي، بدأتها من أجل التعبير عن العاطفة والتسلية الأدبية، وكنت عرضت في السابق نماذج منها على بعض المختصين، وأشادوا بها، واستمرت معي حتى الآن. وكان القرار الثاني أن أكون معلما؛ حيث رأيت مدى حاجة الطلاب إلى المربي الناصح. وحين عُيِّنت في إحدى المناطق، خارج الرياض، كان قراري أن أكون طالب علم، فرجعت إلى الرياض، ولزمت دروس الشيخ ابن باز، وكان قراري الاجتماعي الزواج، حيث أدركت أن الحياة مبنية على الحب، وأن الجمال لا يقتصر على المظهر، بل في الروح، فجعلت ذلك في حياتي قاعدة، وقالها قبلي من قال: “كن جميلا ترى الوجود جميلا”. * هل يمكن أن تذكر لنا شيئا من المواقف الطريفة؟ من المواقف العامة أنني في أحد الأيام قمت لألقي كلمة في إحدى المناطق، وقبل أن أصل إلى المايكروفون؛ انتصب رجل من بين الصفوف، وقال بصوت عال ومسموع: “ترى ورانا زواج فلا تعطلنا”، فأكملت طريقي حتى وصلت إلى المايكروفون، فقلت للحضور بعد أن قدمت التقديم المعتاد للكلمة، قولوا لا إله إلا الله، فقال كل من بالمسجد بصوت واحد لا إله إلا الله، فقلت صلى الله على محمد، وأنهيت الكلمة، فقام المصلون وضج المسجد، كلهم يريدون مني أن أكمل، قلت لهم ليس كلمة أعظم من التوحيد، ثم أخبروني بعد ذلك أن الرجل الذي رفع صوته كان معتوها (فاقد العقل) فتمنيت أنني ألقيت لهم كلمة. * لو تحدثنا عن وجبتك المفضلة.. فماذا تقول؟ وجبتي المفضلة في رمضان هي السمبوسة باللحم، وأذكر من الطرائف أن والدتي كانت تكافئنا لو أجدنا في أمر معين بأن تجعل طبق السمبوسة أساسيا ذلك اليوم، وإلا فإنها تحرمنا منه. * مَن تفضل مِن القراء وتحرص على الصلاة خلفه؟ لقد ظللت إماما تسعة أعوام، وبعد خروجي منها تعبت كثيرا لأجد إماما مُجيدا في القراءة إلى أن وجدت ضالتي في شيخ جليل، وقارئ متميز، هو الشيخ عادل بن سالم الكلباني، فقد أصبح جارا لنا، وفرحت لذلك كثيرا، ولو قلت لماذا هو بصفة خاصة؟ أقول لك: لا بد من توافر شروط لقراءة القرآن، ولا أعرف سوى الكلباني وصابر عبدالحكم ومحمد عبدالكريم ممن انطبقت عليهم هذه الشروط، وفي البقية الخير والبركة. * وماذا عن القراء الآخرين؟ وجهة نظري في أئمة اليوم أنهم نوعان؛ الأول قوم يريدون التخفيف على الناس، فوقعوا في حرمان الناس من الطمأنينة والتدبر، والثاني قوم يريدون قراءة القرآن للتغني به وختمه، وهو خير في الجملة، لكن على حساب زحمة الناس، وموطن الخشوع واللين والتأثر بالآيات، وهناك أمر خطير جدا، هو تعلق بعض الشباب بهم بطريقة فجة؛ حيث يكيلون لهم المديح، كما أن بعضهم تغيب عنه جزئية مهمة، وهي أن القرآن يُقرأ لمَنْ أمامه وليس من خلفه. * لماذا بعض الدعاة يتحسس من الحديث عن الخصوصيات مع أننا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم كل شيء؟ هي مسألة نسبية تعود إلى مكانة الداعية ومنصبه، وبالجملة ينبغي أن يتعرف الناس على كل ما يمكن أن يكون سببا في فائدتهم، والأمر متعين في الكشف عن بعض الجوانب الشخصية لمن كان قدوة في محيطه، والنبي صلى الله عليه وسلم هو قدوتنا، وقد تعرفنا على كل صغيرة وكبيرة في حياته، حتى الحب كان يصرح به، فكان يقول: “حبب إليّ من دنياكم النساء والطيب”. كما أنه صرح بحبه لزوجه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها واليوم لو طلبت من الداعية أن يقول اسم زوجته لضجر. لكن بالنسبة إلي سأخبرك بكل شيء لو طلبت، ويكفي أنني قد أفصحت عن أن وجبتي المفضلة هي السمبوسة. * شكرا لك شيخنا؟ وشكرا لكم في “شمس” على صفحاتكم الجميلة، وحرصكم على إتاحة الفرصة للدعاة والمشايخ، وأشكر رئيس التحرير وكذلك مدير التحرير وأقدم لهما التحية، كما أرسل التحية إلى كل قراء صحيفتكم الغراء.