المكان: منصة الشعر الشعبي الحدث: أمسية شعرية عدد الشعراء: ثلاثة/أربعة/ خمسة وربما أكثر! الجمهور: أهل فلان.. وإخوان فلان.. و(ربع) فلان...و...!.. كثيرا ما ينتقد الإعلام المهتم بشؤون الشعر الشعبي غياب الجمهور عن الأمسيات الشعرية، لكنه يوما لم يلتفت إلى أن متهمين كثرا يقفون خلف ذلك؛ فأحيانا يكون الشاعر نفسه سببا في هشاشة قاعدته الجماهيرية، وأحيانا سياسة تنظيم الأمسيات، خاصة المتبعة حاليا، التي تلغي فكرة صناعة النجم أو صناعة الجمهور. تختلف آراء الشعراء ومواقفهم حيال الدعوات التي يتلقونها لإحياء أمسيات، بعضهم يشترط أن يكون نجم الأمسية ولا يرافقه فيها أحد؛ إيمانا منه بحقه في ذلك أو ربما كي تكون المنصة ملعبه وحده؛ حيث يقدم فيها من الشعر ما يرضيه من دون منافسة أحد. وفي المقابل قد لا يتوقف البعض الآخر عند ذلك؛ ربما لأسباب مادية؛ حيث يحصلون على مقابل مادي لقاء مشاركاتهم في الأمسيات، أو إعلامية لمن يهمهم الظهور بأي شكل وأي طريقة، أو ربما لأنه لا يرى بنفسه نجما يستحق أن يتسيّد أمسية، فيقبل بأن يكون (كمالة عدد)؛ لتقديم نفسه وقصائده. في مهرجان أبها الأخير قدمت أمسية مشتركة تحت عنوان أمسية شعراء المليون، شارك فيها: زياد بن نحيت (حامل البيرق)، وعائض الظفيري ومحمد التميمي وفهد الشهراني ومشعل الشهراني شاعر المليون للأطفال. لم تكن هذه الأمسية الأولى التي تجمع هؤلاء الشعراء؛ فقد سبق أن أُقيمت لهم أمسيات في عدة دول خليجية (وبنفس الطريقة الجماعية)، ولا نعرف إذا ما كان خروجهم من برنامج المنافسة الشعرية الوحيد في المنطقة سيفرض عليهم (الأمسيات السيامية) إن صحّ التعبير، رغم أنه من حق هؤلاء الشعراء أن يقدموا أنفسهم، كل على حدة. وبما أنهم غادروا البرنامج لا بدّ أن يتقدموا باتجاه الساحة وجمهور الشعر بمعزل عنه! بالعودة إلى موضوعنا فإن وجود أربعة شعراء في أمسية واحدة، وأحيانا يزيد هذا العدد إلى خمسة أو أكثر، بالتأكيد سيقلل من فرصة كل شاعر في تقديم ما لديه، ويقلص مساحة حضور كل منهم، وفي المهرجان نفسه قدمت أمسية أخرى تقاسمها الشعراء علي السبعان ومحمد بن ساقان ومحمد الدحيمي وفلاح آل مخلص وحامد بن سمحة وعبد الرحمن بديع، وبما أن الوقت في هذه الحالة مقسوم على ستة شعراء فإن كلا منهم لم يتمكن من قول أكثر من قصيدتين، علما بأن بعضهم يستحق أن تخصص لقصائده أمسية منفردة، كما أن مستويات الشعراء متفاوتة؛ ما يعني أن بعضهم قد يرتقي بقصائد غيره، هذا عدا أن كثرة الشعراء في الأمسية الواحدة سيحولها إلى حلبة يعمل فيها كل شاعر على فرض وجوده وافتراس من يجلس بجواره، وفي هذه الحالة يفقد الشعر وهجه وبريقه وتتحول الأمسية لاختبار قوي. قد يكون منظمو الأمسيات يتحايلون بهذه الطريقة على ندرة الجمهور، فكلما دعي للأمسية شعراء أكثر ضمن المنظمون حضورا أكثر، ولو أحضر كل شاعر إخوته أو رفاقه أو عددا من أفراد قبيلته لامتلأ المسرح، لكن غنى الجمهور سيكون على حساب الشعر وتذوقه، ويتحول التصفيق إلى تصفيق عائلي، وبالتالي يشجع كل فريق شاعره.. الذي أتى مرافقا له، ويبقى الشعر مجرّد عنوان عريض للحدث! ما لا نعرفه: لماذا يقبل الشعراء المعروفون بأن يكونوا مجرد رقم في أمسية؟ وكيف يمكن أن يرضى الشاعر بالمشاركة في حدث شعري ليقول قصيدة واحدة أو اثنتين فقط وعلى طريقة (الطابور)؛ حيث يدور المايكروفون على كل الموجودين ليصل إليه؟!! وما الذي يقصده منظمو الأمسيات من هذا الحشد للشعراء؟ هل هو تقليل من قيمة الشعراء، أم اعتبار الشعر وجبة يمكن أن تقدم (على الماشي)؟! فيما مضى كنا نسمع عن أمسيات شعرية يحييها شاعر نجم، وحتى إن لم يكن نجما.. بعد عدة أمسيات يستطيع أن يصنع لنفسه جمهورا يتابعه، وما زال هذا الأسلوب متبعا من قبل كثير من الشعراء الذين يحترمون حضورهم وشعرهم وجمهورهم، كما أنه متبع من قبل بعض الأندية الثقافية السعودية التابعة للجامعات في الخارج، ولا يمكننا أن نتجاهل تجربة دبي في مهرجانها الدولي الأول للشعر الذي قدمت من خلاله ألف شاعر، واستطاعت أن تترك لكل منهم فرصة أن يكون نجم المنصة من خلال ظهوره منفردا وتقديم بين ثلاثة وأربعة نصوص له خلال 45 دقيقة، في الوقت الذي تتوجه فيه أنظار الجمهور إليه وحده وتتركز أسماعهم على ما يقوله فقط. بالتأكيد لسنا هنا نحرض الشعراء على المطالبة بأمسيات فردية ورفض كل أمسية جماعية، لكننا نأمل منهم ومن منظمي الأمسيات الرفق بالشعر، فحينما يزيد عدد الشعراء على ثلاثة حتما ستتحول قاعات الشعر إلى كانتونات قبلية، وربما تتحول المايكروفونات إلى صناديق بريد لإيصال الرسائل إلى رعاة الحفل!