تعني كلمة غزة باللغة الفينيقية المدينة المنيعة. ولا أستبعد دخول الكلمة لقاموس اللغة الدولية في وقتنا الحالي كمعنى للصمود وإرادة الحياة وغيرها من المعاني المرادفة، كما حدث ودخلت كلمة انتفاضة القاموس الإنجليزي intifada أواخر الثمانينيات الميلادية وبعد انتفاضة 1987. ولا تدخل كلمة إلى قاموس أجنبي بالنسبة لها إلا لدلالة وتأثير حضاري وعالمي لتلك الكلمة، تحتفظ معه حتى ببنائها اللغوي الأصلي. إن التأمل في أحوال هذا الشعب الصامد يدعو بالفعل إلى إكباره بل أخذ الدروس من طرق نضاله وتشبثه بأسباب الحياة والصمود، لدرجة أنهم حين منعوا من استيراد مواد البناء ضمن الحصار الجبان الذي ضرب عليهم، نظر بعضهم تحت أقدامهم وتذكروا الطين، فعمدوا إلى إعداد اللبن الطيني وشرعوا في إنشاء أو رفع ما تهدم من بيوتهم منه. وكما نعلم فالطين من أقوى المواد الطبيعية وأصلبها للبناء، وأفضل مادة عازلة للحرارة والبرودة، ويكفي أن نتذكر البيوت والقصور القديمة المبنية من الطين والتي لا تزال شامخة تتحدى عوامل الزمن برغم مرور عشرات السنين على بنائها. لكن ما يهمنا هنا هو إصرار هذا الشعب الصامد على ابتداع شتى السبل للحياة وقهر الاحتلال الصهيوني. لقد تابع العالم عبر وكالات الأنباء وجميع وسائل الإعلام صور أفراد وجماعات من سكان غزة، وبعد الحرب عليها، وهم يوقدون النار للتدفئة وبغرض الطهي أحيانا على أنقاض بيوتهم المهدمة، بل هالني صورة رجل وبجانبه ابنه نائمين على بقايا سرير فوق أنقاض منزلهم في صباح أحد أيام غزة، في صورة غاية في التعبير أن الفجر يطلع بعد الظلام الحالك. وبما أن لكل شعب عقلاءه، فما يدعو للاحترام والثناء حقا قيادة النائب البريطاني جورج جالاوي لحملة شريان الحياة لمساعدة سكان غزة المحاصرين، والتي انطلقت من بريطانيا إلى أن وصلت إلى فلسطين، تجمع في طريقها التبرعات العينية من عدة دول، في مسعى حضاري ونبيل يقف مع الحق رغم العقبات، بل إن النائب البريطاني أثنى على كفاح الشعب الفلسطيني في كلمته أمام جموع مستقبلي الحملة من أهالي غزة قائلا (تحيا فلسطين). ولا ننسى أن هناك محاولات عربية لاختراق الحصار ومد اليد لإخوانهم هناك وكثيرا ما تلقى العراقيل والتصدي لها من قبل الصهاينة، باستثناء نجاحات تبقي الأمل في النفوس، كالمساهمة الليبية في حملة شريان الحياة. واللافت مشاركة يهود أمريكيين معادين للصهيونية في الحملة ولقاؤهم رئيس الحكومة المقالة الدكتور إسماعيل هنية، في صورة معبرة وحضارية للتعبير عن تضامنهم مع الشعب المحاصر. غزة التاريخ والصمود، مثوى الجد الثاني للنبي العربي محمد بن عبدالله، عليه الصلاة والسلام، هاشم بن عبد مناف، والميناء التجاري العريق على المتوسط، لم تستطع القوة العمياء القضاء عليها بل زادتها ثباتا كالوتد يزيده الضرب رسوخا في الأرض، لدرجة لفتت انتباه العالم بأسره، حتى محطة السي إن إن الأمريكية الإخبارية نقلت ما يجري لأهل غزة دون تعتيم، وسئل الممثل الأمريكي الإيطالي الأصل روبرت دنيرو عن رأيه فيما يجري لغزة فقال لا يلام الكلب المسعور الذي هاجم ضحيته بل يلام الذي أطلق الكلب ويقصد أمريكا وكل من ساند إسرائيل. في النهاية.. لا يصح إلا الصحيح.. وتحية بكل خجل إلى غزة هاشم.