أباحت الشريعة الطلاق، لكنها جعلته أبغض الحلال إلى الله عز وجل، والانفصال بين الزوجين معروف منذ قديم الزمان في الشرائع الوضعية والأديان السماوية؛ لأن الزواج تكوين لشركة تتعاون على تحقيق السكَن والمودَّة ورعاية النسل، وكل شركة لا تُوفَّق في تحقيق أهدافها بعد محاولة إصلاحها كان من الأوفق أن تَنْحَلَّ، ويسعى أصحابها للبحث عن شُرَكاء آخرين صالحين لإنتاج الخير، وجاء الإسلام، وهو خاتمة الرسالات، فأبقى على هذا المبدأ ونظَّمه. وهناك الكثير من وُجوه الحِكْمة في تقرير مبدأ الطلاق، ومنها أن الزوجة قد تكون عقيما والرجل يريد نسلا، وطلب النسل مشروع وهو الهدف الأول من الزواج، ولا تَرْضَى الزوجة بأن يَضُمَّ إليها أخرى، أو لا يستطيع هو أن يُنْفِق على زوجتين، وبالمِثْل قد يكون بالزوج عيب يمنع من وُجود النسل، وهي تتَوَقَّ لإشباع غريزة الأمومة، فلا سبيل إلا الطلاق، وكذلك أن يكون بأحدهما مرَض مُعدٍ يُحِيل الحياة إلى متاعب وآلام، فيكون العلاج بالطلاق. وقد تكون هناك أسباب أخرى منه أو منها فيكون الطلاق أمرا لا بد منه، والواقع يُقَرِّر أن للطلاق مَضارَّ بجوار ما فيه من منافعَ، فله أثرُه على المرأة إذا لم يكن لها مَوْرِد رزق تعتمد عليه ويُخْشَى أن تسلُك مسالك غير شريفة، وله أثره على الرجل في تَحَمُّل تَبِعاته المالية والنفسية إذا لم يَجِد مَن تعيش معه إذا كان الطلاق بسببه، كما يتضرر به الأولاد الذين لا يَجِدون الرعاية الصحيحة في كنَف الوالدين، فإما أن يعيشوا تحت رعاية زوج أمهم أو تحت رعاية زوجة أبيهم، وإما أن يَتَشَرَّدوا فلا يجدون ما يَحْمِيهم من الانحراف، وفي ذلك كله ضرر على المجتمع. ومن أجل هذا جعلَه الإسلام في أضيَق الحدود، ونهاية المطاف في محاولة التوفيق، وقرر أنه أبغض الحلال إلى الله، وبيَّن الحديث الشريف أنه من أهم العوامل التي يَسْتَعِين بها إبليس على إفساد الحياة البشرية. لكن، وللأسف الشديد ومع مجريات الحياة التي تغيرت وتيرتها، نجد أن الطلاق أيضا أصبح من الأشياء التي يتم التباهي بها، وتقام لها الحفلات وولائم العشاء في أفخم الفنادق. واطلعت على التحقيق المميز الذي نشر بجريدتنا الغراء “شمس” في العدد 1292 الصادر الأحد 26 / 7 / 2009 بعنوان (مبروك.. الطلاق). وحقيقة هالني ما قرأته وتعجبت للحالة التي وصل إليها هؤلاء، ومن وجهة نظري أن مثل هذه المرأة ناكرة للجميل وليس لها أي نوع من الوفاء؛ لأن الزواج مؤسسة شرعية قائمة على الود والتفاهم، وليس أن الشخصين اختلفا، فليس ذلك مبررا لأن نقوم بإحياء الحفلات احتفالا بذلك.