لست هنا بصدد الحديث عن الأمور الفنية وأحوال المنتخبات والمسابقات الكروية فهذا المجال له أهله المختصون ولست منهم، لكن اود تذكير القراء الكرام بأوجه تأثير هذه الساحرة المستديرة في كثير من مناحي الحياة: الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية، والسياسية، وكمثال: لعل كثيرا منا قد وصله خبر صفقة انتقال لاعب أوروبي بارز بلغت ثمانية ملايين جنيه استرليني أو ما يعادل أكثر من نصف مليار ريال سعودي، وقد أثارت هذه الصفقة وغيرها قلق حكومات غربية بدعوى أنها مبالغ فيها وتأتي وسط أزمة اقتصادية عالمية خانقة، ثم ان اللاعب في اكبر الأندية العالمية يتقاضى أضعاف ما يتقاضاه مسؤولو حكومته وكذلك دخل الأندية نفسها الذي يقارب دخل شركات صناعية عملاقة، وهذا لأنها تدار على أسس تجارية وعلمية وبتخطيط من مختصين في مجالهم بعيدا عن التخبط والفردية، علما بأن تاريخ تأسيس معظمها يعود إلى أكثر من قرن من الزمن، أما التأثير السياسي والثقافي زائدا الاقتصادي فتكفي الإشارة إلى مسابقة كأس العالم، إذا ان بعض الشعوب لا تعرف أو تسمع عن دول معينة حتى تشارك في هذه المسابقة فيبدأ تسليط الضوء عليها سواء من الجماهير أو وسائل الإعلام المختلفة، لذا تولي حكومات العالم اهتماما كبيرا بهذه المسابقة، وتعتبر التأهل لها انتصارا وحضورا سياسيا وثقافيا له أهميته ودلالته الجلية، حتى إن بعض النزاعات والمناوشات الحربية تتوقف بهدنة غير معلنة وقت المباريات التي تخص تلك الدول المتنازعة أو المباريات الكبرى، وتخفّ حركة المرور وتهدأ الشوارع والنشاط العام في الدول المشاركة عموما وقت مبارياتها. إذًا من المهم التذكير بأن الكرة لم تعد مجرد لعبة بل هي صناعة تتطلب بنية تحتية من الأسس والمعايير والثقافة في الإداري والمدرب واللاعب، وحتى النادي ومنشآته وموظفيه، وبعض الأندية العالمية أصبحت تعطي اللاعب دورات في علم النفس والفيزياء والصحة حتى يكون اداؤه متميزا، بالإضافة إلى شخصيته. اتحاد الكرة لدينا خطا خطوات نوعية في أسلوب الإدارة، والمأمول من جميع الأوساط الإدارية الرياضية والاندية أن تولي مسألة رفع اللياقة الفكرية والنفسية للاعب اهتمامها، كما توليه للياقة البدنية، وكذلك إعداد قدرات إدارية رياضية متخصصة على قدر من الفكر الإداري والرياضي، فلدينا لاعبون على مستوى عالمي يفترض ان يكونوا قد احترفوا اللعب في أندية عالمية منذ سنوات، هذه صناعة وصناعة ثقيلة لا تحتمل العمل الفردي او العواطف، ودعواتنا للجميع بالتوفيق.